• بحث
  • استرجاع كلمة المرور؟

الشاب العربي، بين خذلان الوطن و الهجرة

لنضع العاطفة جانبًا. و لنضع التعصب العقائدي و السياسي و الأيديولوجي على جانب آخر. فرغم إيجابيات تاريخ و ثقافة و حضارة وسمات دول الوطن العربي و شعوبه إلا أن وطننا قد خذل شبابه. حقا، فعلماؤنا يهاجرون إلى الخارج ليدعموا علم غيرهم. ففي امريكا كمثال نسبة العلماء العرب تمثل نسبة أعلى من نسبة العلماء الأمريكيين مقارنة لعددهم. حقا، فشبابنا من حاملي الشهادات الجامعية العليا كثيرا مايتمون دراستهم في الخارج ثم يسُتْقطبون بعمل دراسي في تلك الجامعات ثم بعمل دائم في تلك البلد ثم يُجَنَّسون ليساهموا في بناء وطنهم الجديد وتحديثه و يصبحوا جزءاً من إحصائيات فشل وطننا تجاه شبابه. حقا، ففي الأزمات خاصة يرى البعض خلاصهم بالهجرة إلى الخارج حيث الضمان الاجتماعي و الدراسي و الصحي و التقاعدي متوفر. ولكن لننبه أن حكومات هذه البلدان ترى أيضا في لهف شبابنا لحياة أضمن و أسهل و أكثر إشراقاً فرصة ذهبية لاستئصال أفضل ما عندنا و تنميتهم و حرمان وطنهم الأم من جهدهم و عملهم و إبداعهم.

فمن يٌلام؟

أَيُلام خريج الثانوية العامة الذي أتيحت له فرصة تعلم الرياضة البدنية في الجامعة الحكومية بسبب تدني معدل علاماته بسبب ما حصل في امتحان اللغة الإنجليزية؟ أَيُلام ذاك الشاب لهجرته و قد جاءه قبول من جامعة ألمانية لدراسة هندسة الحاسوب مجاناً لإبداعه في مشروعه الالكتروني الذي قدمه لتلك الجامعة؟

أَيُلام الأب الذي هاجر إلى كندا باحثا عن مستقبل أفضل لابنه ذي الاحتياجات الخاصة لاستخدامه كرسيًا متحركًا و عزله عن أولاد جيله وأفراد أمته لرؤية وطننا المتدنية و المتخلفة لذوي الاحتياجات الخاصة؟ أَيُلام ذاك الأب لفتح مجال لحياة طبيعية بكل معنى الكلمة لابنه في موطنه الجديد؟

أَيُلام خريج الملاجئ مجهول الأب أو الأم و فاقد الهوية ملقبا بابن الحرام للجوئه لبلدٍ يعامله كفرد من بني آدم؟ و ما خطيئة ذاك الشاب في ميلاده ليحرم من الزواج من حبيبة قلبه لأنها من أسرة راقية؟ أَيُلام ذاك الشاب و في موطنه الجديد يحكم عليه لعمله و سلوكه و أخلاقه و ليس لخطيئة والديه؟

أَيُلام حامل وثيقة السفر العربية أو من دون تلك الوثيقة كليا لفرصة الانتماء لبلد أفريقي لا صلة له بها تاريخيًا و لغويًا و عقائديًا؟ أَيُلام ذاك الشاب لفرصة إقامة شرعية و حضن وطن جديد و سفر أيسر و حتى إقامة أشرف و أهون في وطنه الأم؟

أَتُلام الدكتورة الجامعية لهجرتها و زيجتها من ذاك البروفسور الأجنبي بدلاً من زيجتها من ابن عمها الذي ورثَّه أبوه وكالة السيارات المستعملة؟ أَتُلام تلك الشابة لاختيار شريك عمر يرى الجمال في عقلها و ليس واجباً يورَّث لإبن عمها؟

أَيُلام أولاد امتي أجمع لانجذابهم لثدي أمة جديدة محتضنة لفكرهم و لإبداعهم و لجهدهم و لسياستهم و لعقيدتهم و لخلفيتهم و لجنسهم و حتى لنواقصهم؟

أَيُلام الوطن لتقصيره تجاه أبنائه؟ فمن هو الوطن ليُلام؟ ألسنا نحن الوطن؟

كلنا نُلام. يُلام من بقي في الوطن و لم يدافع عن حقوق أفراد أمته ولم يبذل مجهوداً لتحسين حالها و تغيير وضعها. يُلام من هاجر و نسي دوره في إفادة و تطوير مجتمعه سواء بعودته إلى دياره أو مساهمته عن بعد لإفادة بلاده. يُلام من واجه محنة في و طنه و اختار الطريق الأسهل لتحسين حاله و حال أبنائه بدلاً من اختياره الطريق الأشق لتحسين حال بلاده ليخلف موطنًا أفضل لأولاد أولاده من إخوانه و أخواته من أمته. يُلام من في نعيم بلاده لا يشقى ولا يرى سببًا لتحديث و تطوير موطنه، بل على عكس ذلك فهو يلعب دوراً جوهرياً لإبقاء تخلف و فساد بلاده لحماية مكانته متجاهلاً أنه مخلفاً وطناً لا يصلح لأحفاده. كلنا نُلام لضعف إرادتنا و جهدنا و قصر نظرنا.

مهلاً، هل كانت أوروبا لتزدهر و تتقدم لو هاجرت كفاإتها لبلادٍ أخرى لتحقيق حياة أفضل؟ و هل كان لامرأة أن تصبح رئيسة وزراء بريطانيا لولا كفاح أمهات و آباء جيلها في موطنها الذي حتى بداية القرن لم يكن يسمح لامرأة مثلها حق التصويت لذلك المنصب؟ هل كان ذلك ممكناً في مجتمعٍ كان يُحرقُ العلماء فيه بتهمت انتسابهم للسحرة؟ وهل كانت لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في أمريكا أن يحظوا بفرص التعلم و العمل و الحياة الاجتماعية و يعاملوا بالمثل كبشر لولا كفاحهم لتغير قوانين و وضع بلادهم؟ و هل كان لرئيس أسود حاملًا أحلام أجيال عبيد بلاده ليتولى رئاسة ذاك البلد لولا عرق و كد أجداد إخوانه؟ وهل للمواطن الفرنسي أي ضمانات من حكومته لولا ما قُدِّم من دماء و تضحية في ثورة ضد طغاة بلاده؟

حقاً، فقط أخطأ وطننا في حق جيل شبابه. و لكننا و جيل من سبقنا نلام لحال وطننا اليوم تجاه أولاده. فدعني أدعو إخوتي و أخواتي لتغيير حال بلادنا. فعلينا بالكلمة و القلم و الجهد و العمل و الجراءة و الكفاح و التضحية لتغيير حال بلادنا و إعادة استقطاب شبابه. وإلا،فالتاريخ سوف يسجل اللوم علينا و على جيل آبائنا لإفراغ وطننا من أبنائه.

كتب بواسطة
نائل فرسخ
عرض جميع المقالات
كتب بواسطة نائل فرسخ

الكاتب

نائل فرسخ

التحق بنا