إلى أمي.
أعزيكم بفقدان شريك عمرك وحبيب قلبك وأب أولادك – أبي، الأستاذ العملاق عوني فرسخ.
اعذريني أمي.
فكتابتي ليست بجودة كتابتي في سنوات الدراسة . ولكني تعمدت أن اكتب لك هذه الرسالة احترامًا وتمجيدا لجهد والدي في ترسيخ لغتنا العربية في كياننا وفكرنا.
اعذريني أمي.
فالعاطفة تزلزل كياني وأنا أكتب لك رسالتي . فلقد فقدت في ليلة واحدة في رحيل زوجك ووالدي ثلاثا. ففي الأول ، فقدت أبا حنونا ومحبًا وكريمًا ومتسامحًا . و في الثاني ، فقدت قدوة ومنقذًا وبطلا. وكأن الكون لا يرحم ، وفي الثالث فقدت أعز صديق وأحسن أذن وأروع ناصح.
اعذريني أمي.
فرسالتي لن تنصف في وصف زوجك الراحل . فكيف لي، رجلا من بني آدم ، أن أصف ذلك الرجل المتواضع الذي توفى وهو مازال يحمل على كتفيه نضال الأمة وهو يوازن حبه لك ووقته لأولاده واحفاده . كيف لي ولأي مخلوق بشري حي أن يعدل في وصف ذلك الرجل الذي أحب القريب والبعيد. والشبيه والغريب والأسود والأبيض . ذلك الرجل الذي وزن قيمة الصديق بحسب مبادئه وأفعاله وليس بحسب جنسه أو عقيدته أو ماله أو نسبه . ذاك الرجل الذي رغم صراعه الأبدي مع العدو الصهيوني وخلافه الفكري مع المستعمر العنصري ورفضه التنازل عن شبر من أرض فلسطين من النهر إلى البحر رسخ في عقيدتنا ان صراعنا هو ضد الصهيونية والاحتلال وليس ضد اليهودية إخواننا من أهل الكتاب.
اعذريني أمي.
فليس في مقدوري أن أهون عليك فقدانك. فلقد احسنت الاختيار في رضاك من الزواج من والدي . فكنت احسن عون له. واصبر شريك له. واوعظ مناقش فكري له. وأسمع أذن له. وأفضل طبيب له. وأءمن صدر له وأفضل مهونة ألمٍ له.
فتقبلي تعازي لك. فأنت فقدت أربعا في ليلة واحدة . فقدت الحبيب الأبدي والشريك المنصف ووالد أولادك وصديق العمر.
اعذريني أمي.
ومعذرة لكل أم تزوجت من الحبيب والراحل الوطني . فتقبلي هذه الرسالة مني ومن أبناء أمتي.