• بحث
  • استرجاع كلمة المرور؟

لأجدادنا من قبلنا.

قيل إنما العربي اللسان. وتاريخ الأراضي العربية في ظل الأمة العربية الإسلامية مليء بالعظماء من غير الأصول العربية. فمنذ فجر الإسلام وانفتاحه على جيرانه والدماء العربية من شبه الجزيرة تختلط مع جيرانها من الشمال والغرب لتنشئ نموذجاً جديدًا لتكوين بشري منصهر يمثل العرب. منتجةً ذلك التكوين الحضاري الذي سبق عصره حيث إنه لا ينتمي لعشيرة أو طائفة أو أصولٍ أو جينات أو ديانة خاصة. فذاك التكوين البشري مكون من شعب موحد ذي ولاء وطني واحد على اختلاف أيدولوجيته، ولغة واحدة على اختلاف كنانتها، وتاريخ واحد على اختلاف وضعه. أما اليوم، هل العربي باللسان فعلاً؟ أم أصبحت لهجة العربي تمثل أصوله وكنانته تحدد هويته وانتماءه؟

وفي مقالينا السابقين، درسنا فوائد تجنيس العربي الكفء وضرورة رفع مستوى المرأة العربية في البلاد العربية. وحتمية تلك الاستراتيجية لضمان نمو وتقدم البلاد. ولكن تلك الدراستين لا تشمل عددًا غير يسير من المهاجرين العرب للدول العربية الأخرى. وقبل التطرق لهجرة العرب دعنا نتعظ من تاريخ بلادنا وهجرة أجدادنا في تكوين ماضينا المجيد. وننظر في قوانين الدول المتقدمة اليوم تجاه هجرة الناس إليها. ومن ذلك يمكننا استنتاج استراتيجية جديدة وفعالة تنير دربنا.

العربي اليوم إن تمعنا في جيناته لوجدناها مكونة من خليط لا خصوصية لها. فرغم اختلاط بعض نسل العرب من شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام إلا أن ذلك الاختلاط كان محدوداً مقارنة بوقت فتوحات الرسالة. فرغم رحلات الشتاء والصيف إلى البلدان المجاورة واختلاط بعض الدماء قبل نزول القرآن إلا أن الطابع القبلي وانغلاقه كان له تأثيره في الأصول العربية في شبه الجزيرة. أما بعد نزول الرسالة والتوجه لنشرها إلى البلدان المجاورة وجد عرب الجزيرة جيرانًا ينظرون لهم كمحررين وفاتحين وليس مستعمرين ومغتصبين رغم اختلاف عقائدهم ولهجاتهم. حيث إن سكان تلك المناطق وسكان شبه الجزيرة كان بينهم تاريخ حافل يجمعهم من ناحية الحضارات والتداولات الاجتماعية والتجارية وحتى من ناحية خضوع أراضيهم من قبل إمبراطوريات أجنبية خارجية. ورغم أن عرب الجزيرة في بادئ الأمر تولوا مراكز قيادية وعسكرية في تلك البلدان إلا أنهم مع الزمن تحولوا من طبقة غالبيتها حاكمة أو عسكرية إلى طبقة غالبيتها عاملة في الأراضي التي فتحت. خاصة بعد أن أخرج المعتصم ابن هارون الرشيد، في الدولة العباسية، العرب من ديوان الجند، مما وجب عليهم اكتساب قوتهم من الزراعة والتجارة وباقي اعمال سكان البلاد الأصليين. ومع أخذ هذه النقلة النوعية في التعامل بين الحكام العرب وتلك الشعوب في الاعتبار وانفتاح الرسالة على ديانات أهل الكتاب وإباحة الزواج منهم، انصهر عرب الجزيرة مع سكان الأراضي المجاورة. ووقتها تحول أهل الهلال الخصيب وأهل مصر وأهل المغرب وأهل الجزيرة إلى مجتمع عربي جديد ذي حسٍ واحد وأهدافٍ وتطلعات واحدة ولغة واحدة. ولذلك ورغم السيطرة على المنطقة لقرابة ألف عام، لم تتحول شعوب ولغة وانتماء تلك البلاد إلى الرومانية أو الفارسية أو المغولية أو حتى التركية رغم اسلام حكامها كما تحولت إلى العربية. وفي يقيننا أن هذه الشعوب العربية لن تتبرأ من عروبتها وتتحول اليوم إلى أوروبية أو أمريكية. حيث إن جميع تلك الحضارات المهيمنة السابقة والنفوذ الأجنبي المعاصر لم ولن يندمج مع الشعوب العربية كما اختلطت دماء أجدادنا سابقًا. ذلك لأنهم لن ينصهروا مع الشارع العربي إما لعقيدةٍ دينيةٍ منغلقة أو نظرةٍ عنصريةٍ مميزة أو هيمنةٍ استعماريةٍ مستغلة. وأعمق دلالة لمصداقية ذلك التحليل وعروبة الشعب نجدها عند النظر إلى مكانة أحفاد العرب السابقين مثل دور بلال الحبشي في تاريخنا وهو من الأصول الأفريقية وانتصارات صلاح الدين الأيوبي في أقوالنا وهو من الأصول الكردية وبطولة طارق بن زياد في اعتزازنا وهو من الأصول البربرية وكرم حاتم الطائي في سلوكنا وهو من الديانة المسيحية. وغيرهم الكثير من الذين طوروا بلادنا من مختلف الأصول والديانات. وقد يكون أفضل مثال لهوية العربي تاريخياً هي هوية الأمريكي اليوم. حيث إن الأمريكي اليوم لا يمكن وصفه بجينات خاصة أو أصول موروثة أو ديانة معينة. فرغم احتفال الأمريكي المسلم لعيد الأضحى وحنين الأمريكي الإيطالي لأكلات أرض السلف ونقمة الأمريكي الأسود لاستعباد الأجداد إلا أنهم جميعًا أمريكيون أولاً وأخيرًا. فهل كان اينشتين، ذو اللكنة الألمانية، يهودياً ألمانياً أم عالماً أمريكياً؟ وهل كان ستيف جابز سورياً قُدم للتبني أم مخترعاً أمريكياً أيضًا. ترى كيف كان حال أمريكا اليوم لو فرقت بين سكانها بسبب لكناتها أو جنسياتها أو دياناتها. وكذلك هو النسيج العربي الذي انفتح على الشعوب الأخرى ودمجهم وصهرهم ليكون شعبًا عربياً جديداً كما كونت أمريكا شعبها من بعده.

أما اليوم، فهل العربي المهاجر من بلدٍ عربي لبلدٍ عربي آخر يعامل بالمثل في موطنه الجديد؟ فرغم العلاقات الطيبة والروابط التاريخية والمصيرية واللغوية بين المهاجر وأهل الأرض إلا أن قوانين بلادنا مازالت متأخرة في هذا المجال. فقبل أن نقدم استراتيجية معاملة المهاجرين العرب، دعنا نتعظ من خبرة دول أوروبا المعاصرة وسياستهم تجاه المقيمين والمهاجرين من قارتهم. فبدءا من عام 1950 تم الاتفاق بين 6 دول أوروبية لإقامة مجموعة أوروبية للتعاون بينهم في خصوص الفحم والصلب. وخلال سبعة أعوام، نمت تلك المجموعة من خصوصية الفحم والصلب إلى مجموعة أوروبية اقتصادية. حيث كان من أهم أهداف ذلك التكوين الجديد التركيز على وضع قوانين موحدة للموارد الزراعية وإلغاء الحواجز الجمركية. وفي عام 1986 وضع القانون الأوروبي الموحد الذي فرض التعاون في مجال السياسة الخارجية للأعضاء كما وسع سلطات المجموعة برمتها على حساب حقوق أعضائها المستقلة. وفي عام 1993 تحولت تلك المجموعة إلى الاتحاد الأوروبي الذي صك عملة جديدة وهي اليورو، التي بدأ التداول بها في عام 1999. واليوم، يضم هذا الاتحاد 27 بلداً أوروبياً منها 19 دولة تستخدم اليورو كعملة أساسية. ورغم مشاكل بريطانيا الحالية مع الاتحاد الأوروبي، وسياسة ذلك الاتحاد الغير منصفة لبعض أعضائه، إلا أن غالبية المحللين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين يقرون بأن هذا الاتحاد أسهم في تطور بلدان تلك القارة. وإن قارنا إنجازات هذا الاتحاد خلال السبعين سنة الماضية منذ نشأته إلى اليوم مع إنجازات الجامعة العربية نجد تفاوتات شاسعة. ويصح القول بأن إنجازات ذلك الاتحاد بين تلك الست دول عام 1950 تفوق إنجازات الجامعة العربية منذ نشأتها عام 1945 إلى اليوم. وذلك رغم مشاركة الدول العربية اللغة الواحدة و الروابط المصيرية الواحدة أيضاً. و بالنسبة للدول العربية فأفضل تعاون مشترك هو ما قدمه مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1981 ويضم اليوم 6 أعضاء. ورغم كل تقدم في ذلك التعاون إلا أن إنجازاته القُطرية الأهداف لا تقارن بإنجازات الاتحاد الأوروبي حتى من ناحية قطرية. خاصة عندما تقارن انجازات هذا التعاون تجاه انفتاح حدوده ووحدة أسواقه والتداول بينها لإنجازات نظيره الأوروبي. فعندما ننظر إلى نسبة التداول الداخلي بين دول الاتحاد الأوروبي نجدها تساوي قرابة 1.5 ضعف تداولاتها (150٪) مع الأسواق الخارجية منذ عام 2012 إلى عام 2019. وذلك رغم زيادة الصادرات الخارجية لتلك القارة حيث إن تلك الزيادة واكبتها زيادة مشابه للصادرات الداخلية. وإن نظرنا إلى نوعية تلك الصادرات لوجدناها متنوعة بين مواد خام وزراعية وصناعية وخدمات. ورغم تضاعف التداول بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1990 إلى عام 2002 ونموه المستمر، إلا أن نسبته في أحسن الحالات لا تتجاوز 3٪ من الصادرات الخارجية. أضف إلى ذلك تنبيه الصندوق المالي الدولي عام 2018 لدول التعاون الخليجي في دراسته التحليلية لقلة تنوع صادرات هذا التعاون و اعتماده الأساسي على الإنتاج النفطي الذي يمثل قرابة 80٪ من الصادرات الحكومية و 60٪ من كامل الصادرات و 42٪ من معدل الناتج المحلي الاحتياطي للفرد. وبذلك، ورغم كل تقدم في المحور القُطري وجهد على الصعيد الاتحادي إلا أن هذا التعاون لا يقدم لبلادنا ما نرنو إليه. مع العلم بأن هذا التعاون هو أفضل تعاون بين الدول العربية. وذلك وحده يوضح مدى تأخر بلادنا مقارنة بغيرنا.

لذلك، يجب التعلم من ماضينا و من حاضر منافسينا. و معالجة هجرة العرب إلى الدول العربية الأخرى بالنظر إليها من منطلق إجمالي يشمل تبادل الموارد الفكرية و اليدوية والصناعية بين الدول العربية. و هكذا تبعد الحساسية و العاطفة و يُنظر إلى هذا الموضوع من منطلق استراتيجي اجتماعي اقتصادي لتطوير البلاد. و في يقيننا للاستفادة الفعالة من تلك الموارد و استناداً لتجربة الإنسانية و الشعوب، يجب التركيز على الخطوات البناءة التالية:
1- إنشاء اتحاد للأسواق العربية. و بموجب ذلك يتم إلغاء الحواجز الجمركية بين جميع دول الجامعة العربية. فذلك سوف يؤدى إلى اتساع الأسواق العربية واستقطاب الموارد و الصناعات العربية من الدول العربية الأخرى. فالصناعات العربية اليوم، ليس بإمكانها من ناحية الجودة منافسة الصناعات العالمية. و لكن مع ازالة الحواجز الجمركية، تشجع الصناعة المحلية و تستفيد من التوفير في تكلفة النقل والجمارك مما يفتح لها المجال في الأسواق العربية. كما فعلت بلاد أوروبا من قبلها، بعد الحرب العالمية الثانية، و خاصة لمنافسة السوق والسلع الأمريكية. فذلك سوف يؤدي إلى زيادة الطلب لمشتقات تلك الصناعات الأولية و يفرض عليها زيادة الإنتاج و الجودة على السواء. و بالتالي تتطور الصناعة في البلاد العربية وتنمو لتنافس الصناعات المحلية ثم الإقليمية ثم العالمية. و الصناعة كما أوضحنا في معظم مقالاتنا السابقة هي من أهم قواعد و دلائل تقدم البلاد. وهي مازالت في وطننا العربي لم تنمُ بعد حيث غالبية الناتج المحلي الاحتياطي مكون من تصدير المواد الخام والصناعات الأولية و الدخل من الوكالات العالمية والخدمات المحلية. و رغم تقدم البلاد العربية منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن التصنيف الاقتصادي للبلاد العربية و دون استثناء هو أنها بلاد ناشئة و استهلاكية.
2- تلغى الحدود الفاصلة بين الدول العربية. و بموجب ذلك تفتح الأبواب للسياحة و العمل و الاستثمار والإقامة لمواطني الدول العربية في الدول العربية الأخرى. كما يجب الاستثمار في انشاء طرق وسكك حديدية وغيرها لتيسير نقل البشر والمنتجات بين البلدان العربية في أفضل و أوفر سبل ممكنة. ذلك سوف يضاعف انتاجية البلد المصدِّر كما أنه سوف يخفض تكلفة البلد المُوَرِّد. و كل ذلك سوف يزيد من تبادل وتفاعل العقول والأيادي العربية بين البلدان العربية. وذلك سوف يزيد من الاعتماد على العمالة العربية على حساب العمالة الأجنبية. و لجميع تلك التحولات عدة منافع جوهرية يجب التمعن بها. أولاً، بسبب يسرة تدفق و تفاعل العقول والأيادي العربية بين بعضها البعض سوف تتقارب تدريجيًا اللكنات العربية كما تقاربت لكنات دويلات ألمانيا بعد اتحادها و توحدت لغات و لهجات إمبراطوريات الصين من قبلها. و هكذا تُحدَّث اللغة العربية الفصحى أيضًا. و كل ذلك يثَبِّت مكانة ومقام اللغة العربية. فمن عاشر قومًا أربعين يومًا صار منهم. فإن أمكن للاحتلال الصهيوني العنصري أن يحيي لغة مر عليها الدهر لشعوب تختلف لهجاتهم و خلفياتهم و تاريخهم، فكيف لنا أن نشيع جنازة لغة عريقة لشعب ذي لغة و تاريخ و مصير و أهداف واحدة؟ ثانيًا، لانفتاح الحدود و يسرة التنقل حافز للكثير من الأيادي العاملة العربية للتوجه للعمالة في بلد عربي آخر إن لم تُهيأ لهم فرصة العمل في بلدهم. و ذلك سوف يسهم في تقليل نسبة البطالة العربية في البلد المصدر و انصهار اليد العاملة مع شعوب البلد المستورد. فاليد العاملة الرخيصة الأجنبية غالبًا لا تنصهر مع المجتمع. و تخلق طبقة سفلى أُبعِدت عن المجتمع و لذلك انغلقت عن أهل البلد و احتفظت بلغتها و حولت جميع ادخاراتها إلى بلدها الأم. و لذلك عدة مساوئ. فعدا اعتراضنا و اعتراض الأديان والأخلاق لذلك التمييز، فهي أيضًا تعرقل تقدم الفرد و المجتمع. و تربي أجيالاً من أولادنا على العنصرية و الطبقية و الكسل. و لكن مع انفتاح الحدود وتدفق العمال العرب تنصهر تلك الطبقة السفلى مع المجتمع. و تربى أجيالًا ترى الإنسانية في الإنسان و ترى تقاربًا وطنيًا مع العمال. و كل ذلك يدعم المجتمع من الناحية الأخلاقية و اللغوية. و حتى من ناحية اقتصادية. فمن الطبيعي إنفاق و استثمار بعض عوائد هؤلاء العمال العرب في مجتمعهم الجديد لاندماجهم به .
3- إنشاء قوانين و نظم للضريبة ليستفيد منها البلد المستقطِب و المُصَّدر للعمالة العربية. و يجب أيضاً تخفيف التزامات تلك العناصر البشرية لضريبة بلد جنسيتهم. فالتزامات البلد المحتضن تزايدت رغم زيادة عوائده بينما التزامات البلد المصدر قد انخفضت. ولكن عند تطبيق ذلك النظام تستفيد البلاد و تستقطب العقول والأيادي العربية بدل الهجرة لدول أخرى. كما تستفيد الدول المصدرة لتلك العقول و الأيادي، حيث إنها عادة تعيد استقطاب مواطنيها المهاجرين أوقات العطل لقرب المسافات و رجوعهم إلى مقر ولادتهم وقت تقاعدهم. فإضافة لإبقاء العقول و السواعد العربية في الوطن، تبقى الأموال و المنازل و الاستثمارات في البلاد. و الضريبة أساسية في سياسة جميع الدول المتقدمة، ليس فقط لدعم ميزانيتها فحسب و لكن لحماية حقوق شعوبها. فهي بذلك تلعب دورًا أساسياً في ديمقراطية تكوين البلاد. فالمواطن الذي يدفع من دخله ضريبة لوطنه يتحول إلى شريك مع حكومته مطالباً بتلبية حاجاته. وليس هناك بلد متقدم معاصر لا يجبي الضرائب من سكانه لتلبية حاجات المجتمع.
4- إنشاء عملة موحدة إلى جانب عملة البلد. و من الضروري إنشاء بنك عربي مركزي لإدارة العملة و فصل تلك العملة عن أي ارتباطات لعملات أجنبية. وقتها يمكن لذلك البنك المركزي مراقبة الأسواق العربية و تحديد قيمة العملة و التحكم في التضخم أو الانكماش النقدي. ذلك سوف يساهم في استقرار الأسواق المحلية و إمكانية التحكم في مخاطر و تقلب الأسواق العالمية. وذلك سوف يحمي تسعير منتوجات الصناعات والسلع العربية من تقلب أسعار منافسيها.
5- فتح مجال الملكية التامة للعقار و الشركات و تشجيعهما في البلاد العربية. فذلك سوف يؤدي إلى نمو العقار و الاستثمارات العربية بدل اتجاه الكثير من العرب إلى الأسواق العالمية. و رغم تطور الكثير من الأسواق العربية و استقطابها لبعض من الاستثمارات العربية والدولية إلا أنه يجب الأخذ بالاعتبار أنه في عام 1990 قُدِّرت استثمارات المواطنين العرب في الاسواق العالمية بحدود 150 مليار دولار. أضف إلى ذلك أن استثمارات الهيئات الاستثمارية لكثير من الدول العربية في الأسواق العالمية تفوق تلك المبالغ بأضعاف مضاعفة. فعلى سبيل المثال لعام 2019 استثمرت كل من هيئة استثمار الكويت وأبو ظبي 560 و 500 مليار دولار على التوالي في الأسواق العالمية. فليس من الأجدى استثمار تلك المبالغ عربياً و شطب كامل العجز المالي لجميع الدول العربية و التي تزايدت بمقدار 15٪ في عام 2020 لتصل قرابة 1.46 تريليون دولار؟ فتلك الأموال إن شُغِّلت في أسواقنا سوف تضاعف عوائد الفرد و المؤسسات و المجتمع العربي بأسره.
6- و أخيراً، يجب وضع هيكل قانوني متكامل يقدم العدل و المساواة و الحرية للأفراد والمجتمع. فلولا ضمانات حقوق المستثمرين العرب في الأسواق العالمية لما تدفقت تلك الأموال رغم عائدات تلك الأسواق. زد على ذلك ضرورة شفافية تلك الأسواق لاستقطاب المستثمرين. فلولا حرية الصحافة و وجود جمعيات حماية المستهلكين و حرية النقض و القوانين المنصفة الواضحة بما في ذلك قوانين حماية إفلاس الفرد والمؤسسات لما استقطبت الاستثمارات العالمية و الإبتكارات لتلك الأسواق الناضجة. فتلك الشفافية تلعب دوراً أساسياً في تقييم تلك الأسواق و تسعير منتجاتها و حماية مستثمريها، وذلك يفرض منافسة فعالة تساهم في نمو و نضج تلك الأسواق. و رغم أن تلك الشفافية و الحرية تسلب بعضاً من ميزات كبار التجار و المؤسسات الحكومية إلا أن المجتمع بأسره بما في ذلك أصحاب رؤوس الأموال وتلك المؤسسات تستفيد من تلك القوانين باستيعاب المزيد من العقول العربية و الاستثمارات العربية والأجنبية على حد سواء. ولذلك السبب تظل الولايات المتحدة الأمريكية متصدرة الدول الأخرى في استقطاب الاستثمارات الخارجية ليس لحجم أسواقها فحسب و لكن للأسباب السابقة أيضًا. فرغم أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني يساوي قرابة 80٪ من الناتج الأمريكي لعام 2020، إلا أن الاستثمارات الأجنبية في الأسواق الأمريكية تساوي قرابة 179٪ من الاستثمارات الأجنبية في الصين. و لذلك يجب للأسواق العربية أن تضع ذلك الهيكل القانوني المنصف و و ذلك التركيب المنفتح والشفاف والقابل للنقد لدعم أسواقها.

كذلك نطور بلادنا و نحمي لغتنا و ينضج مجتمعنا و تزيد رفاهية شعبنا. واليوم، مع انفتاح عدة دول عربية للكيان الصهيوني الذي يساوي بين الرجل و المرأة بين مواطنيه. و الذي يطلب من المرأة الخدمة في قواته المسلحة كتفًا لكتف مع جنوده الذكور. و الذي توصلت رئاسة وزرائه امرأة. و الذي يجنس أي يهودي مغترب يهاجر إلى كيانه. و الذي يوحد مواطنيه الصهاينة على اختلاف جنسياتهم الأصلية وعقائدهم الايديولوجية و حتى درجات إيمانهم أو إلحادهم. و الذي يستوعب نقد صحفه و يضع قوانين تطبق على مواطنيه و حكامه على سواء. كل ذلك ليضمن وجوده الاستيطاني و ينمي قدراته. فهو يعظم من نقاط توحيد مواطنيه و يقلل من نقاط اختلافاتهم. فكيف لدولنا أن تنافس ذلك الكيان العنصري المستعمر، الذي نحن نرفض وجوده بصورة قاطعة، والمزروع في أوساطنا وهو بكل تشدده الديني و كيانه العنصري تجاه غيره مازال متقدمًا على دولنا؟ فرغم اعتراضنا عليه ويقيننا باندثاره مع الزمن، إلا إنه بأسلوب التوحيد بين مواطنيه اليهود يحاول تثبيت وجوده وهيمنته. فهو بانفتاحه لآرائهم و كتاباتهم المختلفة والمساواة بين أجناسهم واستقطاب أيادي وعلماء عقيدته من شتى أركان الأرض يستغل كل ذرة من قدراتهم. و كيف لنا أن ننافس دول العالم المتقدمة و نحن لا نستغل نصف قدرات شعبنا و لا نستقطب أيادي وعقول اخواننا؟ و كيف لنا أن ننمي قدراتنا و نحن لا ننفتح على بعضنا و لا نطور صناعاتنا ولا نستقطب استثماراتنا و نفرق بين أبنائنا؟ علينا بتغيير سلوكنا و فتح حدودنا لكل مواطن عربي في بلادنا. و علينا أن نساوي بين جميع سكان شعبنا. و علينا أن نعظم من مشتركاتنا و نتقبل اختلافاتنا. وبذلك نحمي بلادنا و لساننا. و نصهر كل من يقيم على أرضنا من أصدقائنا و حتى أعدائنا لننشئ شعباً عربياً يرفع عالياً رايتنا. وقتها نقدم للعالم أجمع أنموذجاً لسلوكنا وتنوعنا وتقدمنا. كما فعل أجدادنا من قبلنا.

كتب بواسطة
نائل فرسخ
عرض جميع المقالات
كتب بواسطة نائل فرسخ

الكاتب

نائل فرسخ

التحق بنا