النقد الشديد و الفخر المبالغ به قد يكونا أحد سمات أقوال شعبنا اليوم تجاه موطنهم العربي. و كثيراً ما تلعب العاطفة دورًا فعالًا في تضخيم محاسن و مساوئ أفعال شعبنا. فذلك طبيعي لوطنٍ لم ينهض بعد. و لكن على أي فردٍ يريد تطوير موطنه أن يدرس ماضيه و يحلل حاضره و يستنتج نواقصه ليرسم استراتيجية لتحويل دربه ليلائم أهدافه.
و في مقالنا السابق، درسنا فوائد تجنيس العربى الكفء في البلاد العربية. و حتمية ذلك لضمان نمو و تقدم البلد. و لكن تلك الدراسة لا تشمل عدداً غير يسير من المهاجرين العرب للدول العربية الأخرى. فليس كل فلاح عربي مغترب يعمل في بلاد الشام لا غنى عنه. و ليس كل مهندس عربي هاجر إلى المغرب العربي لا يستبدل. و ليس التاجر العربي زوج المصرية في بلدها سنداً لتجارة ذلك البلد. و لكنهم جميعاً عاملون و وافدون عرب مغتربين في بلدٍ عربي آخر. و كما هو هدفنا دراسة موضوعية مبسطة لحال بلادنا ثم استنتاج استراتيجية فعالة تضيء دربنا، فبمقال اليوم كنا نود استكمال موضوع هجرة بقية العرب بالتركيز على هجرة العربي العادي دون الكفاءات الاستثنائية و زواج العربية لمواطن من غير بلدها. و لكن بعد التمعن في موضوع زواج المرأة العربية من غير أبناء بلدها تنبهنا لعدة نقاط جوهرية في خصوص حقوق المرأة العربية و تبعاتها على وضع أمتنا الحالي ومستقبلها. لذلك فرض علينا تخصيص هذا المقال بأسره لمحاولة متواضعة للإنصاف لموضوع المرأة العربية .
و هنا صدمة كل مُتزن لخلل وضعنا و قوانين بلادنا تجاه المرأة العربية. فيتساءل الفرد، ألم تُنبَّه البنت العربية عندما وُلدت بألا تجرؤ و أن تتزوج عربي من غير أبناء بلدها؟ ألم تفقه تلك الفتاة حجم خيانتها لأهلها و لنسلها من بعدها؟ حقًا، أي ذنبٍ قامت به تلك الحسناء عندما و حدت أمة عربية في أبنائها؟ فالمهزلة هنا لا تكمن فقط في عدم المساواة بين حقوق الرجل و المرأة في بلادنا بالنسبة للتجنيس فحسب وإنما هي دلالة عمق التخلف و قيود الفكر لعادات و تقاليد ما قبل الجاهلية. فحينما أصبحت المرأة في البلاد المتقدمة عمودها الفقري لنمو و ازدهار تلك البلاد، مازالت المرأة العربية رغم كل التقدم لحقوقها و مكانتها مواطنة من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال. فدراسة لوضع المرأة في الدول المتقدمة تبرهن فعاليتها. فنسبتها في صفوف القوى العاملة تقارب نسبة الرجال في عدة مجالات متقدمة. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، كانت نسبة المرأة القادرة على العمل عام 1895 تساوي قرابة 36٪ من تعدادهن. و تلك النسبة تزايدت حتى 2016 لتقارب 55٪ من تعدادهن. و يجب الأخذ بالاعتبار أن نسبة الرجال القادرين على العمل في ألمانيا لنفس سنة 2016 كانت تقارب 60٪ من تعدادهم. وذلك يعني أن نسبة العمالة بين الرجل و المرأة في ألمانيا تتقارب ويمكن تصنيفها بشبه المتساوية. و إن قارنا نسبة المرأة العاملة لنسبة الرجل العامل لعام 2017 نجد تلك النسبة تساوي 84٪ في فرنسا مقارنة بنسبة 30٪ في مصر. و رغم أن تلك النسبة تصل أعلاها إلى قرابة 50٪ في البحرين و أدناها إلى قرابة 9٪ في اليمن، إلا أن نسبة غالبية الدول العربية تتراوح بين 20٪ و 30٪. و هنا دلالة واضحة لقلة استغلال مواردنا البشرية لإفادة الوطن، حيث أن معدل نسبة عمالة المرأة اليوم لإجمال الدول العربية أقل من نسبتها في ألمانيا عام 1895. و هذه الإحصائية وحدها يجب أن تطلق أجراس الإنذار في ذهننا لوضع بلادنا المتأخر أكثر من قرن مقارنة للدول المتقدمة. أضف إلى ذلك،أن دور المرأة في فكر جامعات تلك الدول المتقدمة في تزايد ملحوظ. فمن منا لا يشكر مدام كوري لاكتشافها الراديوم و البولونيوم و دراساتها للنشاط الإشعاعي و فوائده في علاج السرطان. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ، على سبيل المثال، نمت نسبة حاملي الشهادات الجامعية بين النساء لتتجاوز نسبة الرجال في بداية الستينات. وذلك النمو مازال في تصاعد مستمر حتى يومنا هذا. و اليوم نرى دور المرأة في تزايدٍ متصاعد حتى في جيش تلك الدولة أيضًا. فعلى سبيل المثال، نرى نسبة المرأة في جيش الولايات المتحدة الأمريكية ازداد من 4٪ عام 1973 إلى 14٪ في عام 2014. أضف إلى ذلك، أن نسبتهن بين الضباط تزايدت من 4٪ إلى 16٪ للفترة نفسها. و اللافت للانتباه، أن نسبتهن بين الضباط أعلى من نسبتهن في الجيش. و رغم خلافنا مع السياسة الخارجية لتلك البلد، لا أظن أن أحداً يمكنه أن ينكر قوة جيشه الحاوي على نسبة متزايدة من الإناث وهيمنته على العالم. كما أن دور المرأة في سياسة و حكم البلاد المتقدمة في تصاعد مستمر. فلا أظن أحداً يمكنه التقليل من مركز الزعيمة الألمانية، المستشارة أنجيلا ميركل أو مركز ألمانيا تحت إشرافها. حيث تزايد الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا تحت قيادتها من 2.85 تريليون دولار لعام 2005 إلى 3.95 تريليون دولار لعام 2018 و الذي يساوي زيادة تقارب 39٪ خلال تلك الأعوام. و لو قارنا تلك الأرقام لدولة اليابان المتقدمة لنفس الفترة نجد أن الناتج المحلي الإجمالي تزايد 5٪ فقط، من 4.76 تريليون دولار إلى 4.97 تريليون دولار. و الهدف هنا هو إثبات أن تقدم الدول أو تأخرها ليس مربوطاً بجنس الحاكم إنما هو موازي لطبيعة الحكم و سياسة الدولة. و لا أظن أن أحداً كان يشك بضعف رئيسة وزراء بريطانيا السابقة المحافظة، مارغريت تاتشر. فالمرأة في تلك الدول المتقدمة أثبتت فعاليتها في جميع المجالات و قلبت موازين الأفكار الجامدة تجاه شخصية و طبيعة المرأة.
فتلك الدول المتقدمة على يقين تام بأهمية استغلال جميع مواردها البدنية و الفكرية لمنافسة أمم عصرها. فالمرأة تمثل قرابة نصف سكان الدول. و بعدم معاملتها بالمثل لا يُستطاع الاستفادة التامة من فعاليتها و لتمكين الدولة من منافسة جيرانها المتقدمين. و المحزن أن لوطن لعب الاسلام فيه دورًا فعالًا في تقدمه و توحيد أراضيه، و مازالت تعاليمه الدينية تلعب دورًا جوهريًا في عبادات مؤمنيه، إلا أن العديد ينسى أو يتناسى دور المرأة في تاريخه. ألم تكن أول من آمن بالرسالة إمرأة؟ ألم تكن تلك السيدة صاحبة أعمال و تجارة؟ ألم تكن أول من قدم نفسه كشهيد لتلك الرسالة إمرأة أيضاً؟ ألم تلعب المرأة دورًا فعالا في تجميع القرآن و سياسة الخلافة؟ ألم يقدم ذلك الدين حقوق الإرث لذلك الجنس سابقًا عصره؟ أما اليوم، هل حقوق المرأة العربية سابقة لعصرها؟ هل تُورِّث تلك المرأة العربية هويتها و جنسيتها لأبنائها من بعدها؟ أم اكتفينا في مبالغة حقوق المرأة في ماضينا و نسينا حقوقها في حاضرنا؟ فزواج المرأة العربية من جنسية أخرى سواء عربية أو غير عربية يشتت عائلتها و يغرِّب أبناءها عن بلدها. و إن كان الهدف المزعوم هو حماية هوية بلادها إلا أن التاريخ و دروس الحاضر تعلمنا غير ذلك. فباختلاط الدماء في حضن الوطن يورث جيلاً جديداً حامياً مكانته. فإن تمعنا في وضع الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا أن 4٪ من متزوجيه لعام 2011 كان أحدهما غير مواطن. و 47٪ من تلك الفئة كانت للسيدات اللاتي تزوجن من جنسيات أخرى و بالتالي استحق لأزواجهن و أبنائهن الجنسية الأمريكية. و إن قارنا الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا من عام 2005 إلى عام 2018 في بلدٍ انفتاحه للهجرة و تجنيس أزواج سيداته معروف، لوجدناه متصاعداً من 13.04 تريليون دولار إلى 20.53 تريليون دولار، و الذي يساوي زيادة تقارب 58٪. ولا أظننا نشك بأن هوية تلك البلاد اختلفت لتجنيس أزواج سيداتهم؛ بل قد يقول البعض أن تلك البلاد اليوم أكثر رأسمالية و أيدولوجية أمريكية متعصبة مما سبق.
و كون هدفنا أن نضاهي عصرنا، فعلينا أيضاً أن ننظر في حقوق الإرث للمرأة العربية عامة و العربية المسلمة خاصة. فالملاحظ أن المرأة العربية لا تحظى بالمساواة بينها و بين إخوانها من الرجال في هذا الخصوص. فالدول العربية عامة تتكل على قوانين الشريعة الإسلامية السنية في خصوص إرث المرأة العربية، باستثناء قليل من الدول العربية التي تعتمد على قوانين أخرى للمرأة العربية الغير مسلمة. و تحت قوانين الشريعة الإسلامية، يرث الرجل ضعف حصة المرأة. علاوة على أن إبن المرحوم يحجب توزيع التركة لغير الأبناء بينما بنت المرحوم بوحدها لا تحجب توزيع بقية أموال التركة في حكم الشريعة السنية. و لكن قبل التسرع لتحليل أو تحريم هذا الحديث، دعنا ندرس واقعة مالية مشابهة لإرث المرأة في إجراءات البنوك الإسلامية في عصرنا الحاضر. فالملاحظ أن البنوك الإسلامية اضطرت لإيجاد حلول محاسبية لتنافس البنوك المحلية و العالمية في تقديم و تحصيل الفوائد. فلولا إيجاد البنوك الإسلامية لفعالية محاسبية لتقديم و جني عوائد من حسابات عملائها تتناسب مع منفعة الفوائد لما نمت تلك البنوك الإسلامية. و إن تمعنا في كيفية تقديم البنوك الإسلامية لتلك العوائد، نجد التالي: أولاً، أن جميع العوائد في البنوك الإسلامية، سواء كانت من المرابحة أو الإجارة أو المضاربة أو المشاركة أو التكافل أو الصكوك أو مهما اختلفت المسميات، وجب عليها أن تتناسب مع نظرائها من البنوك الغير إسلامية سواء في خصوص نسبة العوائد أو المخاطر. و إلا لما أقبل عليها الناس لاقتراب عوائدها لعملائها من عوائد البنوك الأخرى أو خسرت استثماراتها و أغلقت أبوابها لتحملها مخاطر لا تناسب حال السوق. فهي لا تتجاوز تركيب محاسبي لمنتجات منسَّقة لابتكار منتجات مشابهة لمنتجات البنوك الأخرى. و ثانياً، أن تلك العوائد، مهما سميت، إنما تمثل قيمة معينة سواء ثابتة أو متغيرة متفق عليها مسبقاً تجاه وديعة أو قرض أو تأمين أو استثمار أو موجودات ثابتة. و في جميع الحالات تكون متأثرة و مربوطة بوضع الأسواق المحلية و العالمية. فهي بذلك أيضاً لا تختلف عن نظرائها من منتجات البنوك الأخرى. و رغم أن مجالنا المهني لأكثر من 20 سنة في الأسواق العالمية عامة و الأسواق الغربية و الشرقية المتقدمة خاصة، إلا أننا لن ندخل في جدل حول إن كانت أو لم تكن العوائد من البنوك الإسلامية ليست غير تسمية أخرى للفوائد. لأن الهدف من دراسة تطور البنوك الإسلامية ليس لإثبات أو نفي إن كانت تلك البنوك تقدم فوائد أم لا، و لكن الهدف إيضاح أن البنوك الإسلامية وجدت طريقة مبتكرة لتقدم لعامة الناس وسيلة حديثة لتباري بها البنوك الأخرى. و بذلك أصبحت تلك البنوك الإسلامية متقدمة و تتفق مع متطلبات عصرها. و الملاحظ اليوم أن العائلات الغنية التي تنوي الإنصاف بين أبنائها تقوم بتأسيس شركات قابضة لجميع أعمالها و ممتلكاتها و توزيع أسهمها بطرق قانونية و شرعية لتقدم للمرأة فيها حقاً مساوياً للرجل. و لكن رغم إبداع تلك الفكرة و شرعية ذلك التركيب إلا أنه مكلف ولا يشمل إلا أبناء الأغنياء القادرين و الراغبين، وهم أقلية في مجتمعنا الحاضر. و لا أظن أن دين العدالة و التسامح كان ليرضى بحلولٍ شرعية تفيد فئة صغيرة من عباده ولا تمس غالبيتهم العظمى. فإذاً، السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا وجدت البنوك الإسلامية طريقة لاستخراج عوائد تنافس بها البنوك الأخرى دون خلاف مع الشريعة الإسلامية ولم توجد طرقاً مبسطة لتحديث قوانين إرث المرأة العربية و المسلمة؟ و بيقيني أن الفرق ينبع بين من هو المستفيد الفعلي من هذا الاجتهاد و ذاك التحديث. فبالنسبة للبنوك الإسلامية، المستفيد الأساسي هي المؤسسات وأصحاب الأموال. و تلك الفئة من مصلحتها التحديث و الاجتهاد لزيادة إنتاجيتها و رأسمالها. أما إن نظرنا إلى من هو المستفيد المباشر من الاجتهاد في إرث المرأة، نجد أن تلك الاستفادة المباشرة تبدو في ظاهرها لمصلحة المرأة على حساب الرجل. و في مجتمعنا، و رغم كل التقدم، مازال الرجل وحده هو المتحكم و المسيطر في الأمور الاجتماعية و المالية. و لذلك لم يأخذ هذا الموضوع أهميته المستحقة. و في يقيني أن الاجتهاد في هذا الموضوع ليس فقط يناسب العصر و روح الإسلام و إنما هو على المدى البعيد يفيد الرجل و المرأة على السواء، حيث إنه يطور المجتمع بأسره. و يجب الأخذ بالاعتبار تركيب المجتمع اليوم. حيث أن نسبة السيدات العاملات و الغير متزوجات و المطلقات و اللاتى تساند عائلاتهن و اللاتي في بعض الأحيان تمثل الدخل الأساسي أو الوحيد للأسرة في تزايد مستمر في مجتمعنا. كما أن العديد من الرجال مع غلاء متطلبات الحياة في عصرنا الحاضر ليست لديهم الإمكانية بأن يؤدوا واجبهم و يكونوا قوامين على زوجاتهم. الأمر الذي أدى لتدني نسبة الزواج في مجتمعنا. فأليس أفضل تحديث الحسابات المحاسبية للإرث لحماية جميع أطراف المجتمع مع مراعاة الشريعة و الاجتهاد و روح الإسلام؟ و بالمساواة بين حقوق المرأة و الرجل من ناحية الإرث و النواحي المالية الأخرى دلائل واضحة لزيادة فعاليتهن في المجتمع وبالتالي نمو البلاد. فعلى سبيل المثال، نسبة مساهمة المرأة في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الصين لعام 2015 كانت 41٪. و لنوضح قيمة هذه النسبة من الناحية المالية فهية تقارب 4.5 تريليون دولار. و تلك القيمة أعلى من ضعف مجموع الناتج المحلي الإجمالي لكافة الدول العربية. حيث إن مجموع الناتج للدول العربية لعام 2018 كان 2.77 تريليون دولار. فهل يعقل أن تنافس دولنا تلك الدول المتقدمة عندما لا توظف طاقات سيداتنا؟ أم يعقل أن لا تورث بالمثل تلك العقول و الأيادى التي أصبحت قوام الأمم المتقدمة؟ فيمكن القول أن بلادنا اليوم بحاجة ملحة ليس لاستقطاب كفاءاتنا المحلية و العربية فحسب و إنما باغراء أمهاتنا و أخواتنا و بناتنا للمشاركة و القيادة الفعالة في تطوير حال بلادنا.
و قد يتعالى صوت البعض متباهياً و منبهاً أن تلك الدول برغم كل تقدمها تسبقنا أيضًا بنسبة الطلاق. و إننا إن نظرنا لنسبة عمالة المرأة ونسبة الطلاق نجد علاقة طردية. ولكن ذلك من البديهي في بادئ الأمر حيث أن المرأة العاماة لم تحظَ باستقلالها الفكري و الاجتماعي و المالي إلا حديثًا في تلك المجتمعات. و رغم إيماننا بحسن نية و طيبة غالبية البشر من رجال و نساء، إلا أن بعض الزيجات لا تكون متكافئة أو سليمة أو حتى صحية للطرفين و أولادهم. و مع تحرر المرأة واستقلالها المالي فُكت قيودها من قبول علاقة لا تتناسب مع طموحات علاقتها بزوجها. فلم تعد الزوجة بحاجة لتقبل الاعتداء عليها أو إبقاء العلاقة مع الزوج السكير أو الخائن أو تقبل زوجة جديدة و شريكة لزوجها. كما أنها لم تعد تحسب حساب قبول طلاق غير ملائم يجبرها على خسارة حضانة أولادها. و إن نظرنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاحتوائها إحصائيات عمالة المرأة و الطلاق نجد أن تلك القيمة للألف مواطن كانت 0.3 في عام 1867. و تصاعدت لتصل أعلاها و ما يقارب 5.1 في عام 1970، بعد نهضة الستينات و التي تعتبر قمة نهوض ذلك البلد في عصرها الحديث. و من ذلك الوقت و تلك القيمة في تنازل حيث أنها اليوم تقارب 2.9 في الألف. و رغم أن هنالك عدة عوامل أخرى مثل تأخر و تدني نسبة الزواج في ذلك البلد، إلا أن غالبية المحللين يتفقون على أن انخفاض تلك الأرقام دلالة بطء الإقبال على الطلاق في ذلك البلد. و من البديهي أن نرى تلك النسبة تتصاعد في دولنا ثم تتدنى. فالعائلة ليست سوى صورة مصغرة لوضع بلادنا. إن تقدمت، تقدمت الأمة و إن تأخرت، تأخرت البلاد. و رغم مصاعب التعامل بين طرفين متساويين تحت سقف واحد، إلا أن ذلك يؤدي لتبادل الآراء و الدراسات و الخبرات لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه لتلك العائلة. و نحن هنا نتحدث كأي زوج متزوج من امرأة جامعية وعاملة، وهما على علم بتلك المصاعب و لكن مقدرين ذلك التطور و ذاك النمو.
لذلك علينا أن نراجع وضع و حقوق المرأة العربية في عصرنا الحاضر. و علينا تحديث قوانين التعامل مع المرأة لتتناسب مع متطلبات العصر. و علينا احترام خيارها و حقها بالزواج من أي جنسية، كحق خيار أي رجل في بلادنا. وعلى قوانيننا أن تتغير و تورثها و تعطيها حقها لتجنيس زوجها و تجنيس أبنائها بمعزل عن أصل جنسية زوجها. و على دولنا أن تهيئ لها جميع الفرص لتنافس رجال عصرها في جميع نشاطاتهم، فذلك سوف يهيئ الجو لإنشاء مناخ إيجابي للمنافسة تفيد كليهما. حيث أن أهداف أي بلد راغب في التطور يجب أن يأخذ بالاعتبار كيفية رفع نسبة السيدات في الجامعات و التخصصات وكافة المجالات لتتناسب مع تعدادهن في المجتمع. لذلك يجب علينا تعديل قوانين الإرث لبلادنا لحماية حقوق تلك الموارد الفعالة من مجتمعنا. كما يجب تعديل قوانين الطلاق التي يمكن استغلالها من بعض رجالنا كونهم على مقدرة من الزواج من زوجة أخرى و انتهاز ذلك في تحصيل تنازلات من زوجاتهم لتتميم ذاك الطلاق. كما أنه يجب أن لا يُفَرق بين المرأة المتزوجة والغير متزوجة عند الإقبال لأي عمل. فيجب أن يوضع قانون يمنع المْوظِف من أن يسأل أي امرأة إن كانت متزوجة أو لديها أولاد. كما أنه يجب وضع قوانين تمنع التباين بين معاش الرجل و المرأة إن تطابقت خبراتهم. و يجب وضع قوانين تراجع نسبة تمثيلهن و وجودهن في الشركات و المؤسسات الخاصة و الحكومية. و يجب وضع قوانين تقدم للمرأة العاملة ضمانات لحماية وظيفتها إن أخذت عطلة ولادة. و يجب أيضًا أن لا تفرق الحكومة أو شركات التأمين بين الرجل و المرأة لتكاليف الأخيرة للحمل أو الولادة. فيجب أن يتحمل المجتمع نصيبه من تلك التكاليف. فلولاهن لما وجد مجتمع أصلاً. كما أنه يجب إعادة برمجة ثقافتنا لئلا نرى المرأة ناقصة عقلٍ أو دين. بل نراهن، أمهات حنونات و علماء خبيرات ورؤساء وزراء. وقتها تستفيد بلادنا من نصف طاقتها التي رغم كل تقدم مازالت لم تتبلور فعاليتها بعد. ولعلنا يومها نسبق عصرنا. و نطور مقولة أن وراء كل رجلٍ عظيم إمرأة، إلى مقولة أن وراء كل أمة عظيمة رجال و نساء حاملين أوتادها و منيرين دربها. عندها ترجع أمتنا سابقة لعصرها و أمثولة في تقدمها.