• بحث
  • استرجاع كلمة المرور؟

الفرق بينك و بينهم.

في أضواء العدوان على غزة يصل العديد منا يومياً عشرات إن لم يكن مئات الصور و الفيديوهات و المقالات عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي. و يتراوح مضمون هذه المنشورات بين التركيز على معاناة الشعب وانتصارات المقاومة. و بين الكآبة و الأمل. و بين الاستسلام و السلم و القتال. فلكلٍ منا اتجاهه و منشوره الخاص. فللمكتئب منا، زاد التداول في المنشورات المأساوية. و للمندفع منا، جاء التداول بالمنشورات الفدائية. و لكن رغم اختلافات هذه المنشورات و اتجاهاتها المتفاوتة إلا أننا إن تمعنا تمعناً دقيقاً لوجدنا فيها عنصرين متناقضين في الذات و الأهمية.

فأما الأول، فهو ما سوف نطلق عليه عنصر المبالاة. و أما الثاني، فهو ما سوف نطلق عليه للتبسيط، عنصر اللامبالاة. ولكلا العنصرين تبعات ذات أهمية قصوى.

فإن تمعنا في العنصر الأول صدمنا بادئ الأمر بأنه عكس ما كان يبدو بديهياً، فأتباع هذا العنصر غير متوحدين في العقيدة والإيمان. فمنهم من يرى خلاصه بالاستسلام و منهم من يرى العدل في السلام و منهم من يرى النصر في السلاح. و هنا قد يستغرب القارئ، فكيف لأحدٍ من توحيد هؤلاء؟ ولكن إن تمعنا جيداً لوجدنا أن مناشد الاستسلام يحلف بجبروت العدو و حلفائه. و يستشهد بدمار غزة و تشريد شعبها. ويومياً يبعث بالمنشورات التي تؤيد تفكيره. بينما من ينادي بالسلام يستشهد بمؤرخي العدو و حلفائهم. و يقدم سيرة السلام حسب آراء و ثقافات العالم الغربي و المتقدم. ويومياً يشارك المقالات التي تؤيد عقيدته. ومن لا يرى خلاصاً سوى مع حمل السلاح، يستشهد بتاريخ البشرية في النضال. و يشارك سيرة الثوار من الدينية لليسارية. و يبعث أيضاً يومياً بمنشورات تؤكد هذا الإيمان. فاتباع هذه الفئة دائماً تستشهد بالماضي و الحاضر و مطابقي فكرهم لتبرير مسارهم.

أما إذا تمعنا في أتباع العنصر الثاني، و الذي أطلقنا عليه اسم عنصر اللامبالاة، لوجدنا هذا العنصر رغم اختلاف أيديولوجياته إلا أنه موحد في اللامبالاة برأي الآخرين. مؤمن كامل الإيمان و متصلب بأيدولوجيته. فمنهم الصهيوني المتعصب الذي لا يرى خلاصه إلا بتدمير غزة و تهجير أهلها و القضاء على المقاومة و لا يهمه الرأي العام العالمي و لا أي حكمٍ أمميٍ قد يحكم ضده. و من هذه الفئة أيضاً، نقيض الصهيوني المتعصب، نجد المرابط و المقاوم العربي الذي لا يرى خلاصه إلا في الصمود و حمل السلاح و لا يهمه إن وصف بالإرهابي و جمدت أرصدته المالية. فكلا الفريقين لا يهمه ما يقوله الآخر و ما يستشهد به أتباع العنصر الأول المهتمون بالتأييد الفكري و الاجتماعي.

فلذلك نجد أن عنصر المبالاة هو أداة داعمة و ليست أداة فاصلة. فأصحاب فكر الاستسلام لا يمكن لهم أن يستسلموا نيابة عن أصحاب الكفاح. كما أن مؤيدي فكر الكفاح لا يمكن لهم أن يثبتوا نيابةً عن حاملي السلاح إن أولئك استسلموا. ولكن كلا الفريقين يمكنهما أن يسندا أو يدعما أو حتى يعيقا حراك الآخر و لكن لا يمكنهما أبداً النيابة عن حراك العنصر الثاني إلا إذا تحولا مثله. فبينما العنصر الأول هو عنصر مؤثر، العنصر الثاني يبقى العنصر الفعال.

لذلك على أصحاب العنصر الأول، عنصر المبالاة، أن يراجعوا أنفسهم و يعلموا بأنهم عنصرٌ مؤثرٌ وليسوا عنصراً فعالاً. لذلك وجب عليهم أولاً تعريف عنصر اللامبالاة الفعال الذي يدعمونه عن قصد أو دونه قبل بدء أي عمل مؤثر. فهم عنصرٌ داعمٌ فقط و ليسوا عنصراً مُبتكِراً. فعلى سبيل المثال، دعنا نقارن مثالين طرديين متضاربين و متناقضين لإبراز هذه النقطة. فإن كنت من الذين يتداولون منشورات الاستسلام، قبل مداولتها عليك بتعريف أي فئة تدعم من العنصر الثاني؛ عنصر اللامبالاة. هنا قد تظن بأنك تدعم أهل غزة؛ فهم يُقتلون و يُشردون و يُهجرون. و بالاستسلام إنهاءً للحرب و وقفاً للقتل و للتشريد و للتهجير. ولكن هل أهل غزة هم الذين يودون إنهاء الحرب من عنصر اللامبالاة الذي عرَّفناه سابقاً؟ هل أهل غزة الذين يودون الاستسلام من الفئة التي لا يهمها ما يظن بهم الآخرون إن استمرّت الحرب أو أُنهيت؟ العكس صحيح. لذلك من هو عنصر اللامبالاة الذي يريد إنهاء الحرب و التشريد و التهجير من خلال الاستسلام. بالتأكيد، أنه ليس عنصر اللامبالاة المكون من المقاومة في غزة. وكوني لا أرى عنصراً غير مبالٍ لما يظنه الغير في هذه الحرب سوى عنصر المقاومة و الاحتلال و القوى العظمى و بعض حكومات دول الجوار، يبدو بديهياً أن أحد هؤلاء هو المعني. و كوننا استبعدنا المقاومة من منشورات الاستسلام، يبقى الاحتلال و القوى العظمى و بعض حكومات دول الجوار هم العنصر الغير مبالي المدعوم من مناشدي الاستسلام. لذلك يجب على من ينشد الاستسلام قبل مشاركة ما يتداول على منصات التواصل الاجتماعي التدقيق بمن هو المستفيد الأول من هؤلاء وغير مبالٍ بما يظنه الآخرون. و إلا فذاك الشخص قد يكون دون علم داعماً مؤثراً لعنصرٍ غير مبالٍ بما يهمه ذاك الفرد. فهو قد يظن نفسه داعماً مسانداً لأهالي غزة و هو بالفعل داعماً للاحتلال أو القوى العظمى أو بعض حكومات دول الجوار.

و إن نظرنا لنقيض ذلك. فإن كنت من الذين يتداولون منشورات الكفاح المسلح، قبل مشاركتها عليك بتعريف أي فئة تدعم من العنصر الثاني؛ عنصر اللامبالاة. هنا الصورة ليست أكثر وضوحاً. فكما عرَّفنا سابقاً، فعنصر اللامبالاة في هذه الحرب ينتمي إلى عنصر المقاومة و الاحتلال و القوى العظمى و بعض حكومات دول الجوار. و من الواضح أن بعض حكومات دول الجوار لا تريد تصعيداً كما أنها تريد إنهاءً لهذه الحرب في أسرع وقت ممكن حمايةً لسيادتها و مصالحها و إلا لما رأيناها في ماراثونات المباحثات و الاتفاقيات في باريس و القاهرة. أما عنصر الاحتلال و القوى العظمى لا يبدو بأنهم يريدون إنهاءً لهذه الحرب فورياً إلا إذا توافقت شروط إنهائها مع مصالحهم. و كذلك المقاومة. فهنا على الذي يتداول منشورات الكفاح أن يتمعن في تداول منشورات تؤيد إيمانه. فإن كنت من مؤيدي المقاومة العربية المسلحة على سبيل المثال، فعليك أن تعلم بأن تأييد استكمال الحرب حتى إنجاز أهدافها ليست سمة المقاومة العربية في فلسطين فحسب، حيث إن العدو الصهيوني أيضاً يريد استمرار الحرب حتى احراز أهدافه. لذلك يصبح من الضروري ليس فقط تعريف أي سلاح يجب رفعه و لكن أيضاً تعريف أهدافه لتتوافق مع أهداف الفئة الثانية التي تتفق معها. ففي مثالنا، على من يؤيد المقاومة العربية المسلحة أن يتوافق تأييده مع شروط حمل هذا السلاح و تقبل شروط وقف استخدامه بناءً لمتطلبات المقاومة لوقف إطلاق النار الذي يتوافق مع عقيدة عنصر اللامبالاة المقاوم؛ من وقف إطلاق دائم و إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين و إخراج العدو من أراضي غزة و بقاء المقاومة ثابتة فيها و تعمير غزة و تحرير القدس. و إلا فقد تكون أنت أيضاً تساهم في دعم من لا تريد أن تدعم.

و خلاصة ذلك، قبل تداول منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، تفطَّن! فما تقوم بتداوله خصيصاً لهذه الحرب يفيد إما المقاومة المسلحة أو الاحتلال أو القوى العظمى أو بعض حكومات دول الجوار. فتمهل و تأنّى و إلا قد يكون ما تتداول نشره عاملاً مؤثراً ليس في عقيدتك بل عقيدة عدوك. و اعلم انك إن لم تكن من عنصر اللامبالاة المؤمن في عقيدته حق إيمان فأنت عنصرٌ تابعٌ فقط و لست عنصراً مبتكراً. و لذلك تفطَّن و تأنّى لتعلم أي فئة تدعم عندما تشارك أفكارك الاستسلامية أو السلمية أو الكفاحية مع الآخرين. فهذا هو الفرق بينك و بينهم؛ بين العنصر اللامبالي الفعال الذي يكتب التاريخ و العنصر المبالي الذي يتبعه.

كتب بواسطة
نائل فرسخ
عرض جميع المقالات
كتب بواسطة نائل فرسخ

الكاتب

نائل فرسخ

التحق بنا