• بحث
  • استرجاع كلمة المرور؟

دستور مقاومي الشتات

العديد من فلسطينيي أهل الشتات يقاومون الاحتلال الصهيوني بحسب امكانياتهم و بطريقتهم الخاصة. فمنهم من ينشط اجتماعيًا و سياسيًا، و منهم من يقاطع المنتجات الصهيونية، و منهم من يتبرع بوقته و ماله و قلمه، و غيرهم من الذين يساهمون بطرق متفاوتة.

و هنالك بعضٌ من أهل الشتات من يقولون أن واجب أهل الشتات هو المساهمة والمساعدة فقط دون حق لهم بمحاسبة الداخل. متسلحيين بمنطق أنه لا يجوز مطالبة المرابطين في الأراضي المستعمرة بتقديم تضحيات عظيمة من ضمنها أرواحهم و أرواح أطفالهم و أهل الشتات بعيدين عن أي أذى بدني يذكر.

و يا للعجب، حيث إن هؤلاء ذاتهم كثيرًا ما يتسرعون بتحميل المقاومة تبعات التدهور الأمني و المطالبة العاجلة لوقف إطلاق النار للاستفادة من تضحيات المقاومة و المرابطين بالبحث عن حلول سلمية عادلة بين الشعب المُستَعمَر و العدو المُستَعمِر. فمن يطالب باستراتيجية تزيل الاحتلال عن أرض السكان الاصليين لإرجاع مرابطي الشتات إلى بيوتهم لا يحق لهم الكلام، بينما من يهدر أرواح الشهداء في محاولة للاستفادة من سلام لن يأتي و استقرار لن يفيد سوى العدو و أصحاب المصالح في الشتات ليس عليهم السكوت؟ دعني أقولها صراحة، للذين يسارعون للمناشدة للسلام و لوقف طوفان المقاومة بحجة رأفتهم لشعبنا المقاوم، أظن أنه حان الأوان لسماعنا. فبينما بعضكم يتحجج بحرصهم على دماء شهداء بلادنا، سلامكم و محبتكم لمصلحة شعبكم لم تتحرر من قيود أفكاركم و لا ارتباطات مصالحكم لمستعمركم سواء عن قصد أو دون علم منكم. فدعونا من هراء حماية شعبنا من سفك الدماء و التشريد، و محاولة اسكاتنا. لقد صمتنا و سمعنا أقوالكم لما يزيد عن ١٠٠ سنة و مازال شعبنا يضطهد و يسجن و يقتل و هو مستعمرفي عقر داره. فاليوم كل ما نسألكم هو صمتكم ولو لقليل لتسمعوا نداء مقاومي الشتات. فقد حولتم بصراخكم و صمتنا عروبة القضية لفَلسطَنَةِ الصراع. و كأن ذلك لم يكفي، خسفتم ذلك الصراع من قضيةٍ فلسطينية لظلمٍ لأهل غزة. وكي تستمروا في برنامج تفتيت المسار، حولتم صراع أهل غزة، لحرب بين إسرائيل و مقاومي حماس. وهكذا ألغيتم أكثر من 400 مليون عربي و 14 مليون فلسطيني و ثم 2 مليون غزاوي من ذاك الكفاح ليتحول الصراع إلى 40 ألف مقاوم من حماس ضد 7.4 مليون محتل صهيوني مدعومًا غربيًا. غير فصل جميع شعوب العالم المتضامنة مع القضية الفلسطينية من مسلمي الجوار و الأحرار عبر البحار. لذلك أقول كفى. إن لكل عربيٍ و فلسطينيٍ واجبٌ و حقٌ في قرار الكفاح وفي إستراتيجية هذا الكفاح. للمقاوم والمرابط في غزة والضفة والداخل دورٌ و فرضٌ . و لأهل الشتات دورٌ و فرضٌ لا يقل عن مسؤولية شعبهم في أرض الوطن. و لجميعهم حقهم في قضيتهم العادلة. و وجب عليهم مساهمتهم لقضيتهم و محاسبتهم لتقصيرهم. فبالتأكيد أن لأهل غزة و مقاومي المخيمات و مرابطي بيت المقدس أعلى التقدير، حيث أن دمهم و دم ذريتهم يدفع مهرًا لحريتنا أجمعين. و لكن هذا لايعني فقدان أهل الشتات واجبهم أو دورهم أو صوتهم في التأييد والانتقاد لتحرير وطننا. فكلنا لفلسطين و لكلنا دور.

و هنا دعني ألخص دورنا و فريضتنا كأهل شتات مقاومين مساهمين كي نأخذ حقنا و صوتنا في الحديث عن قضيتنا:

١- يجب التذكير بأننا شردنا من بلادنا عنوة على يد مستعمرنا. وإلا لوجدت الكثير من أهل الشتات يقومون بما يقوم به مقاومو و مرابطو بلادنا. فذنب شتاتنا هو عدونا وليس فينا أو في آبائنا أو أجدادنا. كما ذنب فتك المقاومة لمستعمري أراضينا ليس في سلاحها و لكن في وجود الاحتلال على ترابها. الذنب أولًا و أخيرًا على الجاني وليس على الضحية. وكون براءة الذنب لا تنفي مسؤولية أو وجوب محاسبة أخطاء المجنى عليه سابقًا أو لاحقًا، وجب على أهل الشتات المشاركة و العمل و المحاسبة. فحق أهل الشتات ليس حق عودة فحسب ولكنه فريضة عليهم للمساهمة في تحديد المسار و العمل في استرجاع هذا الحق. و تلك الفريضة لا تقف على حدود 1967 ولكنها تشمل جميع الأراضي العربية المحتلة من أراضي 1948 و مرتفعات الجولان ومزارع شبعا. لذلك لا يصح صمت أهل الشتات بحجة أنهم لا يقيمون في الداخل كما لا يصح اعفائهم من مسؤولياتهم في المساهمة.

٢- يجب علينا أن نُفعِّل وجودنا خارج إطار حدود وطننا. فرُؤية مَن هو خارج الدوامة ليست كرُؤية مَن هو فيها. لها فوائدها إن استفدنا من مجمل ايحاط بصرها و من بعدها عن مخاطر عدوها. فلا قنابل ولا عدو في المرصاد على باب دارنا. لذلك وجب علينا أن نستفيد من وقتنا الثمين لمساندة وطننا. فعلينا بقراءة تاريخنا و تاريخ اعدائنا و تاريخ أحرار زماننا. فواجبنا الأعظم ليس بالدعاء لأبطالنا و حصر تراثنا في الغناء و الرقص و التطريز و الطبخ فحسب، و لكن واجبنا أيضًا فهم ماضينا لاستيعاب قصورنا للمساهمة في تحرير حاضرنا. لكل صلاة أديت لنقرأ مقابلها صفحة من كتاب عن تاريخ ماضينا. لكل غنوة حفظت لنقرأ كتيبًا عن النكبة. لكل دبكة اتقنت لنقرأ مقالًا عن نشأة الصهيونية. لكل ثوب طرز لنرى برنامجًا عن كفاحٍ لجبهةٍ تحريريةٍ وطنيةٍ. لكل مقلوبة قلبت، لنستمع لقراءة كتاب عن أبطال مقاومي زماننا و زمان أجدادنا. و هكذا لا نورث تراثنا الديني و الكمالي فحسب و لكن نورث تراثنا الفكري والاستراتيجي لنساهم في إسناد سلاح مقاومينا. هكذا نُعرف عدونا الصهيوني و نُوحد صوتنا لتحرير أراضينا و نُزيل تفاهة ما كان يلهينا من تفتيت بلادنا و شعبنا تحت شعارات الدولتين و التنسيق الأمني.

٣- علينا رفع معنوياتنا. فإن كنا نحن كأقلية مهجرة رغم المعيشة في المنفى أكثر الأقليات تعليماً وباستثناء أهلنا في المخيمات من أفضلهم دخلًا، مكتئبين، ما تأثير هذا على شعبنا المحاصر و المُحَارب في الداخل؟ علمًا بأن المعركة نصفها معنويات المقاتل و المرابط. كيف نساهم هكذا في نصر أهلنا؟ فواجبنا، بل فريضتنا، العزم و القوة و سند أهلنا. و رغم أننا لا نقدم التضحيات بالدم إلا أننا كشعب واحد نقدم تضحياتنا في الشتات. و علينا سند أهلنا الذين لولا دماؤهم لعجزنا عن حتى تخيل تحرير بلادنا. علينا بشكرهم أولًا لأنهم يؤمنون في صميم قلوبهم بسبب ذل معيشتهم أن دولة ١٤ مليون فلسطيني لن تتحرر دون دماء مئات الآلاف منا. فهم يفقهون عقلية عدونا العنصري الهمجي خير علم. و يعيشون أسى تاريخ الاستعمار و على درب ما قدمه إخوانهم في الجزائر من مليون شهيد سابقًا ليتخلصوا من مستوطن عنصري مجرم. فريضتنا أن نبقي على ايجابياتنا لتلهم أهلنا. و واجبنا دعم مقاومينا و أهلنا بالفكر و العمل و المال و الضغط الجماهيري على حكوماتنا لنشد من أزر مقاومينا و مرابطينا . وتذكيرهم بتبعات تعظيم أسى ماحدث في مجازر 1948 من دير ياسين و غيرها و خسارتنا و تهجيرنا مقابل ما حصَّله مرابطو و مقاومو أهل الجزائر من مليون شهيد و نصرهم و بقائهم. فالدم غالي و لكن الحرية أغلى.

٤- علينا بالدعم المالي لشعبنا و مؤيدينا و بالعقاب الاقتصادي لعدونا و مؤيديه. لنشتري و نمول سلعنا لنرفع من مستواها و لنقاطع سلع عدونا لنؤثر على اقتصاده. فنحن لا نشتري الجودة و لا الرخص أولًا ولكننا نشتري السلع الوطنية و دعم المواطن و تمويل العمل أولًا و أخيرًا. لنرى أفلامنا و نسمع ألحاننا ونتابع مؤثرينا على منصات التواصل الاجتماعي و نقاطع خلافه من أعدائنا. فنحن بذلك لسنا ندعم عاملي وفناني بلادنا فحسب ولكننا نقوي ترابطنا و لغتنا.

٥- علينا أن نستثمر في مراكز الدراسات العربية بخصوص القضية الفلسطينية. وعلينا أن نستفيد من مؤرخينا و فلاسفتنا في الشتات و كل من يدعم قضيتنا. و لنحدِّث من مراكز الدراسات الديناصورية. فعلينا أن نفهم جمهورنا لنسوق لأفراد شعبنا. فللعالم الدارس نخلق المكاتبات و المراجع الورقية والإليكترونية. و للشباب العربي نروج فيديوهات و مقاطع على منصات التواصل الاجتماعي. و للمسلمين من غير العرب ننشر مقالات و فيديوهات و دراسات تذكر بمقام فلسطين الديني . و للأجانب و أولاد الشتات في الغربة نسوق في اللغات الأجنبية. و هكذا نستقطب جمهورنا و مساندينا من كل أنحاء الكرة الأرضية. فعوضًا عن تركيز جميع طاقات كتابنا لنشر كتب شتى لا يُقرأ من أفضلها أكثر من 5000 نسخة، لنستفيد من علمهم في المساهمة مع مؤثرينا في منصات التواصل الاجتماعي حيث يَقرأ و يَسمع و يَشاهد شعبنا تلك الرسالة ذاتها بالملايين. هكذا نصوغ رسالتنا حسن صياغة بدعم فلاسفة و علماء شعبنا.

٦- و لنستبدل سهرات الليالي في المقاهي و المطاعم المُمَوِلة لعدونا بالتجمع في منازلنا لنقاشات وتفعيلات تنمي معرفتنا لتاريخنا و عدونا و قضيتنا لدعم شعبنا و صراعنا. وهدف هذه النقاشات ليس للتنفيس فحسب، و إنما لوضع استراتيجيات للمساهمة الفعالة. و هذه الخطوات لن تضغط على اقتصاد اعدائنا فحسب و لكنها سوف تساهم في تنمية فكرنا و روابط أهلنا لأهلنا لنزرع جيل ثبات من أولادنا.

٧- علينا انشاء و تفعيل صندوق أراضٍ و دعمٍ فلسطيني مستقل عن أحزابنا. فإذا احتاج أي فلسطيني بيع أرض، اشتراه الصندوق الفلسطيني منه. و إذا أراد المعلم الإضراب عن الدوام لقيادة مظاهرة لدعم أي شبر يقاوم، دفع راتبه. و من أهم ما على هذا الصندوق هو دعم فلاحي و عاملي البلاد لتفعيل مقاطعة العمالة الفلسطينية للكيان الصهيوني. فعندما نأخذ بالحسبان أن على العامل الفلسطيني دفع قرابة 780$ شهريًا لتحصيل تصريح عمل من الكيان الصهيونى، و أن 18.8٪؜ من عمال الضفة يعملون في أراضي 1948 و المستوطنات الاسرائيلية حسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2022؛ يتبين أن قرابة 564 ألف فلسطيني من 3 مليون من فلسطينيي الضفة الغربية يعملون لمصلحة العدو. و هؤلاء يدفعون للعدو قرابة 439$ مليون دولارٍ شهريًا لتصريحات عمل! فغير سحب هذا المبلغ الهائل من ميزانية العدو، نقوم بزلزلة اقتصاد الكيان بسحب العمالة الرخيصة من اسواقه. و هكذا لا نحمي أراضينا و نحرر معلمينا فحسب ولكننا نعتق أعناق عاملينا في الداخل المحتل و نزلزل اقتصاد الكيان الصهيوني لنفجرها عبئاً متفاقمًا على مموليه من الولايات المتحدة الأميركية والغرب. ونحن على يقين بأيديولوجية الغرب الرأسمالية و مدى تقبلها لزيادة دعم الكيان المغتصب بأكثر من 5 مليارات دولار سنويًا لتعويض خسارة الكيان من تصاريح العمل فقط دون التطرق للخسارات المتراكمة من سحب عمالة البلد الرخيصة التي بديهياً أغلى من أي عمالة محلية حيثما ذهبنا بأضعافٍ مضاعفة .

و أخيرًا، يجب تبني أهدافٍ ذات فوائد مضاعفة على حساب أهداف عاطفية قليلة الفائدة. فكما قال المؤرخ المشهور ألين بابيه في محاضرة لطلاب جامعة بيركلي الأمريكية في أكتوبر 2023: “يا تلاميذ بيركلي، لا تجعلوا الشهادة إحدى أهدافكم و أنتم في أمريكا، فإن أردتم الشهادة فاذهبوا إلى غزة، لكن كونكم في الجامعة ساهموا في مساعدة قضيتكم بالدراسة و النشاطات السياسية و غيرها خلال وجودكم هنا في الجامعة.” و أنا أقول لشعبنا في الشتات، فلسطين لا تريد منكم الشهادة في أرض الشتات، إن أردتم الشهادة فاذهبوا إلى الأراضي المحتلة، و إلا فتمعنوا فيما يمكنكم تقديمه لاسناد شعبكم المقاوم و المرابط على تراب الوطن.

كتب بواسطة
نائل فرسخ
عرض جميع المقالات
كتب بواسطة نائل فرسخ

الكاتب

نائل فرسخ

التحق بنا