اليوم أرض المقدس تُزلزل. و شعب الصمود يُساند. و شعب النسيان يُذكّر أولاد الحجارة كيف تنتفض. و شعب الشتات يفتخر. و شعب العروبة يُصدّق. و شعب العدالة ينفعل. و كذلك توقظ مقاومة المغتصب وجدان أمة استسلمت لبؤس حالها.
و يزداد الشارع العربي ثقة بما يمكن إنجازه. و تزول هيبة العدو الذي لا يقهر. و تتعالى دعوات الكثير من الشعب العربي و الإسلامي للاحتفال بعيد الفطر في العام المقبل في ساحة الحرم الشريف. و تستنشق نفوس الشعب نصراً قريباً يكاد يذاق. و يذكّر البعض الآخر بأننا عشنا مثل تلك التجربة أيام معركة الكرامة و حرب أكتوبر و الانتفاضتين و حروب غزة و جنوب لبنان و غير ذلك من عودة بؤس الحال والاستسلام و قبول الأمر الواقع مرة أخرى. فأي الطرفين أصدق؟
للإجابة، سوف نأخذ طريقة مختلفة لتأويل ذلك التساؤل و تحليل تبعاته. فرغم يقيننا لأهمية التاريخ و حتمية دراسته، إلا أن دراسة معمقة لتاريخ المنطقة و الصراع العربي الإسرائيلي سوف تكون خارج نطاق مقالنا اليوم. فهدفنا من هذا المقال هو تصنيف محاور الفكر في الصراع العربي الصهيوني و تحليل متغيراته لاستنتاج عواقبه. و عند تصنيف تلك المحاور الفكرية لن نفرق بين إيمان منتسبيها بمنهج إقامة الدولة الواحدة أو الدولتين أو أي حدود أخرى. حيث أن رسم الحدود الجغرافية ليست غير محصلة المحاور الفكرية. و لنبقي هذه الدراسة منصفة، علينا أن لا نهاجم وطنية فكر أو خذلان آخر، بل النظر لكل محور فكري من ناحية تحليلية بحته و دراسة موضوعية لفعاليته في توجيه مستقبل الصراع و مصير المنطقة.
لذلك، فإن نظرنا إلى محاور الفكر العربي تجاه الصراع العربي الصهيوني عشية انفجار مظاهرات القدس لإسناد سكان حي الشيخ جراح، لكان بالإمكان تقسيمها على النحو التالي:
١- محور السلام: ذلك المحور الذي نظر إلى وجود الكيان الصهيوني بأنه يمثل الوضع الراهن. و الذي رأى في سلسلة الحروب الخاسرة وبعض المعارك المشكوك في حصيلتها بأن السلاح لن يحقق للشعب الفلسطيني و العربي ما يرنو إليه. علاوة على تعطيل النزاع العربي الصهيوني نمو و تطور البلاد العربية و نشوب قوى مجاورة أخرى مستفيدة من انشغال العرب بالصراع الصهيوني. و لذلك وجد هذا المحور في الحوار و السلام مع الكيان الصهيوني حدًا للصراع و فرصة لتأمين عيش و رفاهية للشعب الفلسطيني و جواره العربي.
٢- محور التآلف و المقاومة السلمية: ذاك المحور الذي يرى الكيان الصهيوني عنصريًا أكثر منه استعماريًا. و الذي يناشد لحق الفلسطينيين العرب في معيشتهم على أراضيهم و خيار مصيرهم. كما يرى حق اليهود في البقاء في أرض أجدادهم. و يدعو لمقاومة سلمية من خلال مقاطعة الكيان الصهيوني، جزءاً منه أو كله، و توعية العالم بالقضية الفلسطينية و اجتذاب الرأي العام العالمي لإسناد كفاحه السلمي. فهو كالمحور الأول يرى أن الكيان الصهيوني باق و يرى حق اليهود في الوجود و لكنه على خلاف المحور الأول، يرى في المقاومة السلمية تحرر الشعب الفلسطيني العربي و أرضه من القهر و الاحتلال.
٣- محور المقاومة المسلحة: ذلك المحور الذي يرى في الوجود الصهيوني وجودًا استعمارياً مانعاً لاستقرار المنطقة و رفاهيتها. و يختلف أتباع هذا المحور بين مؤيدي حق اليهود في البقاء على جزء من أرض ميعادهم في وطنهم الخاص و من يرى حقاً لليهود في معيشة طيبة ولكن على أرضٍ عربيةٍ لا تتجزأ. وكلاهما يرى في سلاح المقاومة السبيل الوحيد لتحرير الشعب و الأرض. و هذا المحور لا يؤيد وجهة نظر محور المقاومة السلمية ولكنه لا يعاديها على غرار محور السلام الذي يجد نفسه في صدام حتمي و متزايد تجاهه.
و لجميع تلك المحاور الفكرية الثلاثة جمهورها الخاص الذي يتألف من الباحثين و المفكرين و المتدينين و السياسيين و عامة الشعب. و ينتشر داخل كل تلك المحاور اليميني المتطرف و الوسط المتزن و اليساري المتحرر. و رغم بروز خصوصيات اتباع هذه المحاور الفكرية واتجاهاتها السياسية و ارتباطاتها الاقليمية إلا أنها جميعها تشمل طيف متعدد المذاهب من مؤمنيها.
و إن تمعنا حال المحاور الفكرية الثلاث عشية انتفاضة الأقصى لمساندة سكان حي الشيخ جراح، نستخلص التالي:
١- محور السلام: شهد محور السلام حديثًا نمواً بارزاً. فإن قارنا مستوى التبادل و التنسيق السياسي و التجاري و العسكري منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر و الكيان الصهيوني حتى اتفاقية وادي عربة عام 1994 بين الأردن و ذاك الكيان لوجدنا نسبة التفاعل بين دول جميع تلك الاتفاقيات ليست بمستوى التفاعل العميق الذي شهدناه من بعد اتفاقية وادي عربة. و شهدت تلك الاتفاقيات تقبلًا رسميًا لحق و جود الكيان الصهيوني و شرعية سيادة أرضه. و بدت حتى عشية زلزلة الأقصى أن الوطن العربي و العالم أجمع سائر في هذا الاتجاه. و كان من المتوقع خلال الأعوام القليلة القادمة، إن لم تكن أشهر وجيزة، توقيع العديد من الدول العربية مثل تلك المعاهدات السلمية. وكان واضحاً أن عديدًا من دول المنطقة و العالم أجمع ارادت انهاء المشكلة الفلسطينية كاملةً بما في ذلك استخلاص حل لسيادة القدس و لحق عودة اللاجئين. و نحن عمدًا لم نستخدم كلمة “التطبيع” لوصف مستوى التبادل لمحور السلام مع الكيان الصهيونى لتفادي أي مفهوم سلبي مرادف لذلك التعبير كما ذكرنا سابقًا. فالهدف مازال دراسة موضوعية و ليست عاطفية لحال محور السلام و المحاور الأخرى.
٢- محور التآلف و المقاومة السلمية: شهد أيضًا هذا المحور تقدمًا بارزًا منذ إتفاقية وادي عربة حتى يومنا هذا. ورغم تمهل هذا التقدم منذ معاهدات السلام الحديثة في منتصف عام 2019 إلا أن تأثيره السلبي على الكيان الصهيونى لا يمكن إهماله. فحركة BDS العالمية لمقاطعة الكيان الصهيوني الناشئة عام 2005 أنجزت تقدمًا ملحوظًا عالميًا بربط صورة الكيان الصهيوني بالتمييز العنصري الذي اتبعته جمهورية جنوب أفريقيا منذ 1948 حتى 1994 تجاه سكانها الافارقة السود. ذلك أدى إلى ضغوط عالمية لم يألفها هذا الكيان أدركناها جميعًا من خلال الاستنفار و الضغط العالمي على الكيان الصهيوني في حرب غزة عام 2014. علاوة على تعاطف العالم تجاه القضية الفلسطينية. ولكن مع توقيع اتفاقيات السلام لعام 2019، بدى أن صلحاً شاملًا على الأبواب مما عطل بعض التقدم لهذا المحور لحساب محور السلام. حيث أن العالم أجمع أراد حلًا سريعًا و نهائيًا للمشكلة الفلسطينية.
٣- محور المقاومة المسلحة: بدأ محور المقاومة المسلحة قبل حرب قيام الكيان الصهيوني عام 1947-1948. و تغيرت مكونات هذا المحور عبر السنين. و تحول هذا المحور المسلح دراماتيكيًا من محور مقاومة عربي إسلامي عام إلى محور فلسطيني خاص، مما أطلق عليه”بفلسطنة” القضية. و احتلت “فتح” المركز القيادي في هذا المحور المسلح حتى بداية تنحيها يوم إصدارها برنامج النقاط العشر عام 1974 و خروجها تمامًا بالتحاقها بمحور السلام وقت توقيعها معاهدة أوسلو عام 1993. وقتها انتقلت صدارة هذا المحور لعدة منظمات مختلفة على رأسها المنظمات العربية الاسلامية، لتعيد انعاش محور المقاومة المسلح بعد تشييع جثمانه. و قد بدى هذا المحور كأنه في انزلاق سريع منذ اتفاقيات السلام لعام 2019 رغم نمو فعالياته العسكرية من خبراته في حرب جنوب لبنان عام 2006، و الحرب في سوريا و اليمن منذ عام 2011 و 2104 على التوالي و حروب قطاع غزة المتتالية.
ولكن جميع هذه المحاور تأثرت جذريا مع انتفاضة الأقصى لدعم سكان حي الشيخ جراح. فمما لا شك فيه أن موازين قوى تلك المحاور تغيرت. و كما شهدنا نموًا طرديًا لمحور السلام في الأشهر الماضية، شهدنا أيضًا انزلاقاً مدمرًا لهذا المحور خلال أولى ساعات الغضب الشعبي المقدسي. و مع انطلاقة صواريخ المقاومة في غزة رأينا التفافًا شعبيًا و عربيًا لروح المقاومة المسلحة و مظاهرات شاسعة في المدن الفلسطينية و غالبية الدول العربية والكثير من عواصم الدول العالمية. و مع نهوض شعب فلسطين العربي في الأراضي المحتلة منذ عام 1948, غدا محور المقاومة المسلح هو الرابح الفعلي في هذه المعادلة. فإن كان لشعب تجنس و تعايش مع الكيان الصهيوني لقرابة 73 عامًا ألا يندمج معهم فكيف كان للشارع العربي و العالمي أن يلتف حول محور السلام وهو لا يطرح أكثر مما قدمه هذا الكيان للشعب العربي في أراضي 1948؟ أما بالنسبة لمحور التآلف و المقاومة السلمية فقد استفاد من المقاومة المسلحة. حيث أن المقاومة المسلحة أظهرت عنصرية و وحشية الكيان الصهيونى. و بذلك توعية لشعوب و سادة العالم للقضية الفلسطينية و اجتذاب الرأي العام العالمي لإسناد تلك القضية و بالتالي مقاطعة الكيان العنصري. ورغم عدم إيمان هذا المحور لحمل السلاح، إلا أن مصالحه غير متأثرة سلبيًا إن لم تكن مستفيدة ايجابيا من محور المقاومة المسلحة. و هذا حالنا اليوم. أما بعد؟
كما أشرنا سابقًا، فقد شهد الصراع العربي الصهيوني عدة إشتباكات مسلحة أبرزت روح المقاومة و الثبات و العزيمة. و كما نوهنا مسبقًا،فلا يمكن إهمال أن جميع التصديات التاريخية الماضية لم تعطل معاهدات السلام و التعاون بين الأنظمة العربية و الكيان الصهيوني. و لكن للإنصاف يجب أيضًا التذكير بالتحول الجذري لصراعات السلاح العربي مع الكيان الصهيوني. حيث تحولت حروب أنتجت توسيع رقعة الأراضي الصهيونية منذ عام 1947 لحروب أصبح هدفها صون الأرضي المحتلة و حتى التراجع منها للحفاظ على قاعدة أراضي الكيان الصهيوني؛ كما رأينا في خروج العدوان الصهيوني من أراضي جنوب لبنان و غزة عام 2000 و 2005 على التوالي.
و الآن مع دراسة هذه الخلفية الموجزة، ما هي عواقب انتفاضة الأقصى الأخيرة؟ و ماذا يمكن استنتاجه؟ و كيف يمكن لكل محور تثبيت وتعظيم مكانته؟
١- محور السلام: أصبح واضحاً أن نصراً قريباً لهذا الفكر ليس بالإمكان. فمشكلة القدس غدت معضلة أساسية. حيث أهمية الحرم الشريف ليست فقط شريان ايمان سكانه العرب على اختلاف عقائدهم و لكن السيطرة عليه تبقى هدف الكيان الاستعماري أيضاً. و برهنت زلزلة الأقصى، و جميع الانتفاضات السابقة، هشاشة اتفاقيات هذا المحور لعدم إيجاد حلٍ منصفٍ و شاملٍ و دائمٍ يرضى به جميع أطراف الصراع. لذا، قد تبدو من مصلحة استراتيجية هذا المحور إنهاء نهج المقاومة المسلح و الغير المسلح بأسرع وقت ممكن. و من ثم تأمين حد أدنى لمستوى حياة طيبة و آمنة للشعب الفلسطيني داخل الضفة الغربية و قطاع غزة. ذاك الهدف الذي حاولت السلطة الفلسطينية الوصول إليه تحت إشراف سلام فياض مدعومًا من محوري السلام الغربي و العربي بين عام 2007 و 2013. كما يجب لمحور السلام حل مشكلة العنصرية المتفاقمة ضد الشعب العربي المتواجد في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948. و ليضمن عدم تدني أهميته بين عشية و ضحاها، كما حدث مؤخراً، عليه أيضًا أن يوجد أدنى حل يمكن تقبله بشأن سيادة القدس و حقوق اللاجئين. فإن تمكن من ذاك، بات ممكناً لهذا المحور تصدر باقي المحاور الفكرية. و في يقيننا أن هذا النمط من التفكير رغم نجاحه النسبي هو تفكير تكتيكي أكثر منه استراتيجي. وطالما دُمج تعريف النهج التكتيكي خطأً بالنهج الاستراتيجي عربيًا . فالنهج التكتيكي معرف بأنه إجراء محدّد يتخّذ لتحقيق هدف معيّن. بينما النهج الاستراتيجي هو إجراء شامل يتخّذ لتحقيق أهداف واسعة و طويلة الأجل؛ فهو عكس النهج التكتيكي الذي يكون محلي ومحدود من ناحية الوقت و المكان. و كلاهما مصطلح حربي يوناني قديم. و أفضل مثال حي يمكن دراسته هو حال سكان الأراضي المحتلة عام 1948. فرغم مرور 73 عاماً منذ إقامة الكيان الصهيوني على الأراضي المحتلة و منح سكانها العرب الجنسية الإسرائيلية، إلا أن الانتماء العربي الفلسطيني لم ينتزع من عقيدة الجيل الثالث لهذا الشعب بعد النكبة. وهذا ما أوضحته مظاهرات القدس الحالية التي اسندتها اللد و يافا و حيفا وغيرها من المدن المحتلة منذ عام 1948. و هذا ما أربك الكيان الصهيوني أكثر من ارتباكه لصواريخ المقاومة المسلحة. حيث ظهر واضحًا أن حلًا جزئيًا للمشكلة الفلسطينية ليس سوى حل تكتيكي مؤقت و ليس استراتيجيًا دائماً. و ليحظى هذا المحور مركز الصدارة الفكرية علية تأمين أوضاع ملائمة للشعب العربي الفلسطيني من حكم متكامل و حقوق متساوية و حلول للاجئين و سيادة القدس. وإن استندنا لتجربة المعاهدات بين الكيان الصهيوني و السلطة الفلسطينية و الدول العربية لوجدناها جميعها تكتيكية لا تقدم الحد الأدنى من التنازلات الملائمة عربيًا لحل النزاع إستراتيجيًا. و لذلك و في يقيننا أنه رغم عدم إيمان محور السلام لحمل السلاح إلا أن وزنه و صلاحياته لها علاقة طردية وفائدة إيجابية من ضغوط المقاومة المسلحة على الكيان الصهيوني. حيث إن هذه الضغوط تهيء لهذا المحور المناخ الملائم لانتزاع التنازلات المطلوبة لسلام استراتيجي. ولذلك على محور السلام إما تغذية المقاومة المسلحة أو على الأقل عدم ردعها ليستفيد إستراتيجيًا و يصون أهميته. شئنا أم أبينا فمصير محور السلام مرتبط جدلياً مع إنجازات المقاومة المسلحة.
٢- محور التآلف و المقاومة السلمية: مما لا شك فيه أن محور التآلف و المقاومة السلمية يعيش أفضل أيامه. فالصحف و الإذاعات و النشرات الإخبارية التلفزيونية تكاد لا تخلو من الحديث عن القضية الفلسطينية و شعبها المظلوم تاريخيًا منذ اندلاع الغضب المقدسي. و ذلك دفع بالقضية الفلسطينية إلى مركز الصدارة عالميًا. و مع تصاعد القتال و تساقط الصواريخ على أراضي الكيان الصهيوني و قطاع غزة، تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني و كثر الحديث حول حق الشعب العربي في الحصول على الحقوق و العيش الكريم. و كون هذا المحور معتمدًا اعتمادًا جوهريًا على الضغط العالمي الشعبي و السياسي، يصبح تسليط الضوء على القضية الفلسطينية أهم وسائل زيادة إمكانيات و فعاليات هذا المحور. و رغم كل ذلك، نصر قريب لهذا المحور ليس وارداً. فرغم التقدم الملحوظ في مقاطعة الكيان الصهيوني و تعاطف العالم مع الشعب العربي تحت جبروت هذا الكيان، مازال هذا الكيان يخدم المصالح الغربية الامبريالية والاستعمارية. و هذه الدول المستفيدة لن تفرط في أداتها الصهيونية إلا لضرورة قصوى، حين يصبح دعم الاحتلال أشق عليها من خسارة حليفها المزروع في المنطقة. لذلك من البديهي لهذا المحور إبقاء المقاومة السلمية والعصيان المدني مستمراً و متواصلاً ليبقي الضوء مشعاً على قضيته الجوهرية. و كما قلنا سابقًا، فأهداف هذا المحور لا تتعارض مع نشاط محور المقاومة المسلحة و غالباً يغدو المستفيد الأول من الإعلام و الاهتمام العالمي الموازي لنشاطات تلك المقاومة. لذا غدت مصلحة محور التآلف و المقاومة السلمية الإستراتيجيه إما تغذية المقاومة المسلحة أو على الأقل عدم ردعها ليبقي فعاليتها في إعلاء حجم قضيته .
٣- محور المقاومة المسلحة: كما فصلنا سابقًا، محور المقاومة المسلحة سند المحورين الآخرين. كما أن قوة هذا المحور على علاقة طردية مع صلاحية وفعالية المحورين السابقين. فهذا المحور يبرز القضية العربية الفلسطينية محليًا و قطريًا و عالميًا. و في ذلك إفادة فعالة لمحور التآلف والمقاومة السلمية. كما إن هذا المحور يضع ضغوطًا داخلية لتحريك الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، كما رأينا في انتفاضات اللد و حيفا و يافا، و على بقية التراب العربي الفلسطيني كما انتفضت الخليل و بيت لحم و غيرها. وبالتالي يتفاقم منهجه العسكري إلى إرهاق سياسي و مدني و عسكري للكيان الصهيوني. و كل ذلك يجهض الكيان الصهيوني و أنصاره و يجبرهم على التنقيب لمخرج سياسي. فيتحول الكيان المتعصب تاريخيًا إلى كيان أكثر مرونة و مستعدًا للتنازلات لضمان وجوده كما رأينا في خروجه من قطاع غزة و جنوب لبنان. و في ذلك فائدة لجميع المحاور الفكرية. فهل هذا يعني أن نصراً قريباً على الأبواب؟ ليس بعد، و قطاع غزة محاصراً عربياً و صهيونياً، و الضفة الغربية فقدت عزيمة المقاومة، و الكيان الصهيوني يحظى بمساندة قوى امبريالية عظمى. لذلك وجب على محور المقاومة المسلحة ألا يحتفل إنجازاته مسبقًا ممهلاً مسيرته. و ألا يقف عند انجازاته متفادياً التزاماته. وكما لمحور السلم و محور المقاومة السلمية فائدة لوجود محور مقاومة فعال، فمحور المقاومة بحاجة لمحور عربي و إسلامي يساند مسيرته. فتحرير التراب العربي لن يحدث تحت نهج “فلسطنة” القضية. فالمقاومة المسلحة اليوم لم يكن بإمكانها إثبات نفسها و فرض قضيتها على العالم لولا سندها العربي و الإسلامي. و هذا لا يعني أن يقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي في انتظار صلاح الدين ليحرر مقدساته. و لكن من الضروري لمقاومة مسلحة فعالة أن يسندها محور فكري و قومي و عسكري. و في يقيننا، سند محور المقاومة الفلسطينية بمحور مقاومة عربي مسلح يعزز مكانة الدول العربية و يحطم مخاوف ارتباطات و هيمنة دول جوارها الإقليمية، فالأقربون أولى بالمعروف. و هكذا يعزز هذا المحور وجوده و يبقي مساره المتصاعد منذ نشأته قبل تنجيس العدو ترابه. غير ذلك، يتدهور منصبه و يتوج محله المحوران الآخران و لكن بمستوى أضعف لعدم وجود محور المقاومة المسلح سندًا لهما كما شرحنا سابقًا.
فمن دراسة المحاور الفكرية العربية الثلاثة السابقة و وضعها عشية انتفاضة الأقصى لحي الشيخ جراح، يبدو واضحًا أن نصراً قريباً ليس بالأفق. و لكن لتعجيل هذا النصر و ذاك الاستقرار تبقى مصلحة المحاور الثلاثة إسناد و تفادي تعطيل محور المقاومة المسلحة. و على محور المقاومة المسلحة الثبات و الصبر لكفاح طويل المدى ملبيًا استراتيجية تحرير الأراضي العربية كاملة. ففي ذلك سندٌ له و سندٌ لشعبه و سندٌ لأطياف فكر اخوانه. غير ذلك، فتألق المقاومة المسلحة خلال الأيام الاولى لانتفاضة الأقصى تتحول لنصرٍ معنوي و عتبةٍ مهمة لتقدم نهج المقاومة و الفكر العربي في صراعه مع الكيان الصهيوني. ونحن هنا نستنتج أنه من مصلحة جميع المحاور الفكرية دعم المقاومة المسلحة و ثباتها ليس مخافة على مستقبل البلاد و لكن لتعجيل تحرير المقدسات و التراب العربي. فهنا يجب التذكير بأن المقاومة المسلحة و الغير مسلحة في تصاعد ملحوظ. فهي ردعت أحلام توسع الكيان الصهيونى و دمرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر و وحدت الشارع العربي و عززت قواه العسكرية. و كل تلك المؤشرات تؤكد أن النصر المنتظر حتمي، و تحرير كامل التراب العربي حتمي أيضا؛ و لكنه ليس بقريب بعد.