فخراً شعبي؟ فقد رأيت أجمل ما فيكم و نحن محبوسون في ديارنا منعاً لانتشار فيروس الكورونا. رأيت الأب يدرّس و يقضي وقته مع ابنه. و رأيت الأم تلعب أولادها و ترسم معهم. و رأيت الإخوة الصغار تتآلف و تتخاصم ثم تتقارب و تتعلم الصبر معًا. و رأيت العائلات أجمع تجلس على مائدة الطعام شاكرة توفر غذائها لهذا اليوم و حزينة تتكلم بعطف و شفقة عن إخوانهم الذين قد لا يملكون غذاء أو فراشاً أو منزلاً. و رأيت المدرس يعلم تلاميذه عن بعد و يهتم بهم كاهتمام الأب بأولاده. و رأيت الطبيب المجاهد يأثر صحة شعبه على صحة بدنه. كما رأيت أمتي جمعاء تصلي على أرواح جميع موتاها التي حصدها هذا الفيروس الخبيث. ورأيت من اتعظ منا بأسره المتواضع يتذكر إخوته الذين يبيتون في سجون الاحتلال لا يدرون ليلهم من نهارهم.
ولكن لماذا يا شعبي؟ فقد رأيت أيضا أقبح ما فيكم. رأيت في البعض كيف أن الدين يفسر و يحلل ليفضل عقيدةً أو مذهباً على آخر. رأيت التفرقة بين الأخ و الآخر بسبب اتجاه وجهه لقبلته وقت صلاته. رأيت انتهاز هذه الأزمة لتحليل نقمة ربنا على غيرنامستنتجة أن طهارة بعضنا أفضل من طهارة آخر. رأيت عند البعض الاستهزاء و عدم احترام عقيدة غيره. رأيت كلمة العالم والطبيب لا تؤخذ بالاعتبار تجاه هذا الفيروس كما تقدر كلمة الجاهل الذي أصبح اليوم داعيا في وقت الضيق مفرقا شعبه.
عذراً شعبي، فمن عيَّننا قاضيًا سماويًا لنحكم بسموِّي عقيدة فرد على عقيدة أخيه. و من نحن لنحلل نقمة ربنا على بعضنا، خاصةً وأن هذا الوباء أحاق باللاجئ و الفقير قبل أن يضيق على الغني. و من نكون لنحكم على طهارة فئة دون أخرى. و أين جوهر الإيمان و التواضع في العقيدة و عدم الإكراه في الدين إن أصبحت الوقاحة جزءاً لا يتجزأ من برنامج تبشير هذه الفئة من المبشرين.
عذراً شعبي، فأنا على علم و اضح بأن هذه الفئة لا تمثل عامة الشعب و مناقشتها ليست بالأمر الهين. و لكنها أيضا جزء له تأثيره البالغ على شعبنا، و بصوتها الذي يزداد جهراً مع كل أزمة سياسية أو اجتماعية تساهم في زيادة تفرقتنا. فهي بأسلوبها هذا تعلي مذهباً أو عقيدةً أو إتجاهاً فوق آخر بطريقة مستفزة و غير عقلانية. و هي بتلك النظرة الأحادية الاتجاه تسيء إلى أقليات وطننا و المستضعفين منه سواء عن قصدٍ أو عن غير قصد. كما أنها بكلامها الجارح تنفي عنهم عروبتهم. زد على ذلك أنها لا تأمن بدور العلماء و العلم و كأن لا مكانة للعلم في خلاصنا. و أسوأ من ذلك، فبصمتي مقابل صوتها الجهوري، تصبح كأنها تتكلم بصوتي.
لا…ليست هذه عروبة أبي، و ليست هذه مبادئ شعبي. فدعني أذكر و القلم في يدي، أن هذه الديار لم تبنَ ليغتصبها ذاك المتشدد. و أن قوة شعبي تكمن بتآلف و إختلاف آرائه و عقائده و علمه و إجتهاده . وكما أن من حق تلك الفئة أن تبشر بجهلها و تتحدث عن أولوية عقيدتها و إيمانها، فمن واجبي و واجب شعبي أن يتصدوا لها مدافعين عن كل أفراد امتنا على اختلاف عقائدهم و مذاهبهم و فكرهم. فالوقوف بجانب أخي من غير ديني ضروري و واجب لوحدة شعبي. و دعني أذكر أن أمتنا المجيدة ذات التاريخ الحافل بالعطاء و التقدم لم يكن ليحدث لولا إحترام أمتنا و ديننا لذلك التنوع. و الدفاع عن جهد أطبائنا و علمائنا و علماء غيرنا ضروري لتذكير امتنا بأن معالجة هذا المرض اليوم بايديهم وخلاصنا منه بجهدهم و جهادهم فذلك لا يتضارب مع تعاليم ربي. و دعني أوضح أن للدين مكانته و أنني لست ضد أي ديانة و لكني ضد التفرقة بين الإخوة بسبب تلك العقيدة. فمقولتي هذه واجب علي للدفاع عن رؤية العروبة في ميثاق أفكار أبي و عقيدة أي عربي مؤمن بعروبة أمتي. و إلا، وداعاً لميثاق عروبة أبي و عروبتي و عروبة ابني من بعدي.