معذرةً لبنان الحبيب، فقد رأيت في عام واحد عدة مصائب. رأيت جوعاً اقتصادياً. و تخلفاً حزبياً و استعماراً طائفيا و تعصباً عقائدياً. و ثم مرضاً عالمياً. وكأن هذا لا يكفي ففي فشل حكومتك و فساد مؤسساتك رأيت انفجار عاصمتك الذي زلزل كيان شعبك و ثقة أهلك و سير دمعة كل عربي من أمتك.
معذزةً لبنان الحبيب، فقد هبَّ أعداء أرضك في وقت محنتك لاستغلال وضعك. فعدوك الصهيوني يدَّعي حزنه لشعبك كأنك في ارتباكك نسيت احتلاله أرضك و اغتصابه حينما يشاء سماءك. و لا ننسى مَن مِن شعبك الذي ينكر عروبته و عروبتك ويجزئك لقبائل مر عليها الدهر مستنجداً بفرنسا لتعيد انتدابها و كأنها هي الخلاص لمعضلتك. ناسين ان مأساة لبنان و جميع دولنا العربية كانت و مازالت من احتلاله وانتدابه و سلخه عن اخوته و اخواته. وكأن لاي قطر عربي ثقله و مقامه و حرية خياره و هو ممزق من جسد اخوانه.
معذرةً لبنان الحبيب، فبلد الفكر و القلم و الكفاح تاريخياً أسير موقعه و جغرافيته. فقلب العروبة أنت، و بلد الثقافة أنت، و بلد الجمال أنت، ولكنك اليوم بؤرة العدوان و التحالف أنت.
معذرةً لبنان الحبيب، فالبعض يمشي اليوم مترقباً تشييع جثمانك. و النسور تدور جاهزة لتنهش من لحمك. و بعض اخوتك هبوا ليحصوا و يبيعوا ارثهم من بعد وفاتك. وكأنه من الطبيعي لإي بلد محتل لعدة عقود و مازال ممزقاً و محكوماً أن يخرج من محنته بعجلة وتلهف بما يتمناه شعبك.
معذرةً لبنان الحبيب، فقد خانك جهل بعضٍ من شعبك. وحكم عليك من لم يتعلم من تاريخ أمتك. واستغلك بعض من جوارك. و لكن يجب أن لاننسى فخرنا لتاريخ نضالك و تضحية شعبك. فلا عذراً لبعض من إنجازك وإن أردنا المزيد من ذلك.
فعلاً فشعبك مازال لا يملك حق حرية أفعاله و لكنه إلى حدٍ ما يملك حرية أفكاره و أقواله. و فعلاً ثقافتك حيرت بين ماضيها و فكر انتدابك، الا أن ذلك ولد مقام جامعاتك و تعدد أقلامك و تنوع إعلامك. و فعلاً حدودك لم تتخلص من أعدائك و لكن ويل لمن يمد يده على سلاحك و قواتك. و فعلاً ورِّثت أحزابك من أيام انتدابك و هي مازالت أسيرة مصالحها و عقيدتها و عائلاتها، و لكن بتعددها و تضاربها هيأت الجو لشعبك حرية الصوت و اختيار و رسم طريق مسارك. كل التضارب ذلك، ساهم في حرية فكر شعبك حيث أنه أخيرًا أصبح يطالب بتغيير دستور بلادك و فك القيود القبلية من استغلال طوائفك و استعمارك. أي استقرار يطالب به كل من بجوارك، و استقرارهم كائن لدعم سياسة اعداء أمتك و التفرقة بينك و بين اخوانك و طمس حرية شعبهم و اقلامك. تمهل و تعقل، فإن رغيف الخبز في يد حرية افكار اولادك أغنى من كنوز و ولائم جيرانك. ألم يناضل مائة عام وسط عصورهم الوسطى دون استقرار أو رغيف خبز لينال حريته شعب حكام انتدابك؟ و بعض من شعبك يتذمر اليوم لنضال جيل أوجيلين أو أقل من ذلك!
لا عذر لمقامك و إن كان اليوم يصح بكاء أولادك لحال بلادك. فأقولها علناً و دون خجل فأنا مطمئن من عروبة و شهامة شعبك وأنه مع الزمن سيحرر أرضك و فكرك و يعدل درب مسارك. فكلنا للبنان الحبيب تاج أدب و ثقافة و تعدد إيمان أولاده ليكون يوماً تاج حرية و كفاح إخوانه. فاليوم درس لأعداء كيانك، لبنان أقوى و أعظم من أن يفشل من مساوئ عام أو دهر كذلك. لبنان مازال في تغير مستمر ليخلص نفسه من رواسب جهل و احتلال و تسلط أعدائه. فإياك من أن تدفن لبنان، فتاريخه و ثقافته و نضاله و عروبته تعلمنا غير ذلك.