إلى التلاميذ الذين انقطعوا عن مدارسهم و زملائهم. إلى المدرسين الرياضين و العمال البسطاء الذين فقدوا وظائفهم. إلى الابناء الذين فقدوا اجدادهم. إلى الأطباء و العلماء الذين يعملون ليلا و نهارا لينقذوا مرضنا من ذلك المرض الخبيث. إلى كل أم معزولة و وحيدة في يوم عيد الأم بعيدة عن أبنائها. دعني أهديكم روح و عزيمة ابناء موطني. فقد رأيت الدين و الأخلاق في اخواتي و اخواتي في بلدي.
دعني أقص عليكم ما رأيت و ما قرأت و ما أحسست خلال الأسبوعين الماضين ونحن نراقب إنتشار و إنعكاسات ذلك المرض الخبيث. فمن جارة تقود دراجتها الهوائية في الصباح البكر مع ابن لها و تصبح هي و ابنها على كل جار تمر به بإبتسامة ويرد عليهما كل جار بسلام وإبتسامة اكبر. و إذ بعائلة أخرى و ثم أخرى تعيد الموقف نفسه. زادني هذا المنظر إيمانا بعزيمة بني آدم حيث أنه ذكرني بطيبة الناس و رؤية عواقب توصية عقيدتي بجاري. فأنا لم أرى في منطقتي السكنية هذه الكمية من الآباء و الأمهات الذين خرجوا من بيوتهم بصحبة أولادهم إما يقودون الدراجات الهوائية أو يمشون يستنشقون هواء ربي العذب والإبتسامة مرسومة على وجوهم و وجوه جيرانهم.
ومن زميل عزيز يقص لي و لرفاقه خطابه الحساس مع أبيه ليعزله عن عمله و أولاده و أحفاده حماية له من ذاك المرض. و كيف ان أباه لم يتقبل ذلك أولًا إلا بعد جدال طويل ثم دموع مشتركة ثم إستجابة دون محبة لتك العزلة. وكأنه بلحظتها أدرك عمره و ضعف جسده. ذكرني ذلكالموقف بأبي الراحل و جيل أبائنا و عزيمتهم و كبريائهم و عملهم. و رؤية البر بالوالدين بمنطلق آخر و اصعب ذكرني بأخلاق و عاطفة شعبي.
ومن حكومات أوقفت المساجد و الكنائس و بيوت الطاعة حماية لشعبها رغم علمهم بكثرة المصلين عند الشدة. فهي قدمت الأولوية لحماية الشعب و المجتمع كبند أساسي في أي عقيدة. كما أنها استندت لدراسات العلماء و الأطباء عن إنتشار ذلك الفيروس. ذكرني ذلك بتعاليم ديني و مبادئه و إهتمامه بالعلم و العلماء وأن ديننا شامل وأكبر من ان يضم العقيدة فقط.
و من تعاطف أولادي و عائلتي و أصدقائي و كل من خاطبت لوضع العالم اجمع. فمحور الحديث أصبح عن صحة الأهل و تقضيت الوقت مع الأولاد و وضع فاقدين الوظيفة و حال المرضى و شكراً للأطباء و العلماء لمجهودهم لمواجهة هذا المرض. فقد تحولت الأولية في الحياة من المادية عند البعض إلى أمور أهم سواء كانت عائلية أو إنسانية أو علمية أو عقيدية أو جميع ذلك.
فمن المؤكد أن خطر هذا الفيروس سوف ينتهي يوما. ولكن ليت العبرة منه تدوم دهرا. فنحن عائلة إنسانية واحدة. ما يحصل في الصين يأثرعلينا. و ما يحصل في إيطاليا يشغل عاطفتنا. و ما يحصل في مدارسنا و جامعاتنا و عملنا له تبعياته على مجتمعنا. و كيف نعامل أطبائنا و علمائنا و مرضانا له تاثيره على علاجنا و بقائنا. و كيف نعامل أهلنا و جيرانا له تأثيره على شخصيتنا. فنحن نرى أجمل صورة لنا اليوم. فبكل مساوء ذلك المرض، فقد أظهر محبتنا لبعضنا البعض و تقاربنا و تآلفنا و تقديرنا للعلم و فهمنا للدين و العقيدة. فدع صمود البشرية لهذه الأزمة تكون هدية لشعبنا وقت الضيق و امهاتنا في يوم عيدهم.