اللغة العربية محمية لا ريب. فالقرآن حافظها. و شعر القدماء مُخَلدها. وأحاديث الأولين مُفسرها. و لكن كون اللغة العربية محمية محفوظة مخلدة مفسرة هذا لا يجب أن يشكل عائقاً لتحديث و تطوير هذه اللغة. بل على عكس ذلك تماماً، فكون اللغة محمية محفوظة مخلدة مفسرة ذلك دليل ثبات هذه اللغة القُرشية التي أُكرمت بتنزيل القرآن بلسانها. و وجب على لسان عربها تحديثها وتبسيطها لتتماشى مع متطلبات العصر. فأظننا محقين و غير مبالغين عندما نصَّرحُ بأن على العالمِ العربي أن يكونَ عالماً باللغةِ العربية قبل أن يكونَ عالماً بعلمهِ. فهل يعقل جمود لغتنا الجميلة ونحن نكاد لا نتباهى إلا بأشعار الأولين الذين مضى على أقوالهم أكثر من خمسة عشرة قرناً؟ أم يعقل لتعقيدات لغتنا الناضجة أنه لا يكاد يخلو مقالٌ أو شعرٌ أو كتاب أو حتى مقابلة تلفزيونية دون وجود أخطاء نحوية في ضمنها؟ حتى مقالنا هذا، فرغم كل جهد من طرفنا و الاستعانة بعدة أفراد لمراجعة هذا النص، إلا أننا إن كنا من المراهنين لراهنا أن أخطاء نحوية في مقالنا هذا قد أينعت، و لكن هل من البساطة بعد الجهد قطافها؟
و هل لجمود اللغة العربية علاقة طردية فيما ينشر بلسانها و ما يستَلهِف قُارئها؟ فمن المؤلم أن لغة الجزيرة التي استوعبت شتى خلفيات آداب و علوم الإنسانية و صهرتها في لسانها، خاصة بعد تكريم القرآن لها، تحجرت و تقيدت وانعزلت. لدرجة أن العربي ابن العربي من جد عربي أصبح يستصعب قراءة ما يُكتب و يتردد ليكتُب ما يريد أن يقرأ. فكما أشرنا سابقاً، فقد غدا على الكاتب أن يكون عالماً لغوياً قبل أن يكون عالماً بعلمه. وبهذا فقدت آدبنا أفكاراً وعلوماً وتحاليلَ شتى. فويلٌ لمن رفع حرفاً محل جر في كتاب الطفل الصغير. و جمع الخلية بالألف المقصورة بدلاً عن الألف الممدودة في كتاب العلوم. و نقمة على القارئ و الكاتب إن لم يرفعا أو ينصبا أو يثنيا أو يجمعا جمعاً صحيحاً. و غدونا، كوضع بلدنا، نعطي الأولوية للمظهر على حساب الجوهر. و كل ذلك لتعليل تذوق ما يسمى بالشعر الجاهلي و تأويل القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة و تاريخ الرسالة وغيرها من العهد القديم. و أصبح الكاتب أيا من كان، صغيراً أم شاباً أم كهلاً أم شيخاً يتردد في الكتابة بالعربية، أو بالأدق، يضطرب للكتابة بالعربية خشيةً من مسلسل التوبيخ من جميع القراء ليس لمضمون ما كتب ولكن لحتمية وجود أخطاء إملائية ونحوية من قواعدٍ و إعرابٍ و صرفٍ. و بينما الدول المتقدمة و جامعاتها، مثل جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، تضع برامج محدثة لتشجيع القراءة والكتابة للصغار، مازالت مدارسنا تدرس منهجها كما وضع زمن أجدادنا مع التطرق لبعضٍ من التحديث؛ إن جاز بالفعل تسميته كذلك. فبرنامج كولومبيا المسمى “ورشة القراء و الكتاب” يحث الصغار ليكتبوا كل ما يستلهمهم دون توقف و دون الإذعان للإملاء أو القواعد. وهكذا يشجع الصغار على الكتابة كوسيلة لتدوين فكرهم و خيالهم بإزالة هيبة الكتابة و تحبيبهم لها، و بالتالي خلق أجيال تُقدم عليها. قارن ذاك بمنهج تعليم صغارنا الذين يُوبخون لكل كلمة بأي خط رسمت وكيف أمليت وكيف أعُربت دون مبالاة لمضمون ما كتبت. و بينما تُصدرَ الملايين من الكتب ذات العناوين الجديدة سنوياً في البلاد المتقدمة، لا تكاد الكتب الصادرة عربياً تتجاوز 20،000 عنواناً جديداً. فإن قارنا ذلك لكل من أمريكا والصين وبريطانيا فقط لوجدنا تلك الدول قدمت للإنسانية 300،000 و250،000 و150،000 عنوان كتاب جديد على التوالي حسب آخر إحصائيات اليونسكو لعام 2012/13. و هذا لا يعني أن أمريكا على سبيل المثال نشرت 300،000 كتاب فقط لعام 2012، و لكنه يعني أن أمريكا قدمت للإنسانية ذلك العام 300،000 كتاب جديد. فعلى سبيل المثال، كتاب الرئيس الأمريكي السابق، “أرض الميعاد” لباراك أوباما، بيع منه 3،3 مليون نسخة خلال الشهر الأول من صدوره عام 2020 و جميع هذه النسخ تعد عنواناً واحداً جديداً لإحصائيات الكتب الجديدة المذكورة أعلاه.
إذاً، هل نحن فعلاً شعب لا يقرأ؟ قبل أن نتطرق للإجابة عن هذا السؤال، دعنا نُعَّرف أنواع القراءة التي تهمنا. فليست كل القراءات متساوية. حيث أن هناك من يستشهد لدراسة تدل على تدني قراءة العرب وآخر يستشهد لدراسة تضع بعض الدول العربية في الصدارة. ورغم انكارنا الشديد لمن يشير لأي إحصائية معاصرة تضع القراءة و صدارة الدول العربية في المكانة ذاتها، إلا أننا سوف نجاري هؤلاء لنوضح موقفنا تجاه نوعية ما يقرأ. حيث أن عدة مواقع للتواصل الاجتماعي وصحف عربية إلكترونية، نخص تحديداً مقال “سكاي نيوز عربية” يوم 23 فبراير 2021، نشرت إحصائية “مؤشر نقاط الثقافة العالمية” الصادر عام 2005 الذي يضع مصر و السعودية في المرتبة الخامسة والعاشرة على التوالي بينما ألمانيا و الولايات المتحدة تأتيان في المرتبة الواحدة و العشرين و الاثنتين والعشرين على التوالي. نعم، قرأت ذلك صحيحاً، تلك الولايات المتحدة الأمريكية بذاتها التي ذكرناها سابقاً حيث يباع فيها عدة ملايين من الكتاب الواحد خلال شهر واحد بينما معدل أكثر الكتب مبيعاً في البلاد العربية لا يتجاوز الخمسة آلاف نسخة حسب تصريحات مراكز النشر العربية. فإن تمعنا بتلك الدراسة المعيبة، نجد أنها لا تتطرق لنوعية القراءة. فهل تشمل قراءة الطلاب في المدارس أو الجامعات. و هل تستثني مواقع التواصل الاجتماعي و القصص المصورة و غير ذلك. فنحن عندما نتحدث عن القراءة في مقالنا هذا نخص قراءة الكتب الورقية و الالكترونية و الغير دراسية و نستثني غير ذلك. و كذلك يبقى سهلاً إستنتاج أن القراءة في الوطن العربي متدنية جداً إن نظرنا لعدد مراكز النشر و عدد العناوين الجديدة الصادرة سنوياً عربياً. ولكن، هل يعود ذلك لأننا شعب لا يقرأ؟ أم هل السبب الجذري يعود لأننا شعب لا يكتب؟
رغم محدودية الدراسات و الاحصائيات المرموقة تجاه أصناف و مبيعات الكتب العربية، إلا أننا نستطيع أن نستنتج منها بثقة عالية بأن الكتب الدينية تحتل مركز الصدارة فيما يتعلق لنشر و مبيعات الكتب الورقية. و في يقيننا بأن ذلك الاهتمام في الدين عامة و في القرآن خاصة لعب دوراً اساسياً في جمود اللغة العربية و ابقائها شبه قرشية رغم الزمن. فالكتاب أنزل على محمد عليه السلام بالعربية ليس فقط لنبوغ اللغة العربية وقت الوحي فحسب و لكن لتركيبتها اللغوية التي تسمح بتعدد تأويل الكلمة و الجملة الواحدة؛ إعجازٌ ليس من الناحية الأدبية و الجمالية فحسب و لكن من الناحية الزمنية أيضاً. و في نظرنا أن اللغة العربية لم تتطور جذرياً ليس خشية لفنائها، فالقرآن حاميها كما ذكرنا مراراً، و لكن حرصاً على إبقائها لغة غنية ثابتة تضمن لناطقيها إمكانية قراءة و تأويل وفهم القرآن والحديث والتفسير في أي زمان ومكان. ولكن هل لركود اللغة ثباتها؟ و هل في تسهيل اللغة تقييد لقارئ القرآن و الحديث و التفسير؟ و هل لتحديث اللغة ضياع أشعار و كتابات القدماء؟ ألا يزال هناك قراء لهوميروس ودانتي و إدغار ألن بو و شكسبير؟ و إن حدثنا لغتنا ألن يبقى هناك قراء لقيس و الجاحظ و الفرزدق و ابن خلدون؟ و بينما نبقي على جمود لغتنا حفاظاً لقراء القرآن و الحديث و كتبنا الإسلامية يقرأ الشعب الأمريكي وحده في عام 2020 قرابة 750 مليون كتاب منهم أكثر من 50 مليون كتاب ديني. فهل نحن حافظين الدين ونحن كتعداد سكان نفوق الولايات المتحدة قرابة مائة مليون نسمة أي ما يعادل 33٪ و نقرأ في أحسنها بضعة آلاف كتاب ديني وغير ديني؟ فدعنا من ذلك الهراء ودعنا نتم مسيرتنا في استدراك حلول لزيادة عدد قرائنا المتدينين منهم و الغير متدينين. فأوليست القراءة من أوتاد الدين الحنيف أصلاً؟
إذاً يمكننا الاستنتاج بلا ريب بأننا شعب لا يقرأ. و لكن لماذا؟ في يقيننا، تلعب عدة عوامل أدوراً أساسية وثانوية في ذلك، مثل وضع البلاد العربية حضارياً و نسبة الأميين فيها و تكلفة الكتب الورقية و الإلكترونية مقارنة بدخل الفرد. كما أن لعدم وفرة دراسات وإحصاءات شاملة يستحال استنتاج واقعنا الأدبي بدقة. فلكثرة القرصنة و محدودية آليات تعريف نشر وبيع الكتب عربياً أو دولياً مثل الرقم العالمي الموحد للكتاب (ISBN) يستحيل معرفة نوع و عدد ما يقرأ. و لكن رغم أهمية تلك العوامل و محدودية الدراسات الملائمة، نود أن نكرس مقالنا هذا لقلة تنوع و نشر ما يكتب عربياً سواء على الورق أم إلكترونياً. حيث أننا نراه عاملاً أساسياً في تدني القراءة ومن اليسير تبين التأثير الجذري له مقارنة بالعوامل الأساسية الأخرى مثل وضع البلاد حضارياً و اجتماعياً و اقتصادياً .
فكما أشرنا سابقا ً، بينما الدول المتقدمة تطَّور في برامجها للقُّراء والكُّتاب الصغار، لا تزال البرامج العربية متجذرة في الماضي. فإن نظرنا إلى وضع المعجم و القاموس الموسوعي للمفردات العربية، وهما من أهم وسائل إعانة القارئ والكاتب، لوجدناهما معجماً و قاموساً راكدين إن لم يكونا متخلفين. فنحن سجناء معجم يتطلب الجذر الثلاثي أو الرباعي و معجم شبه الاستحالة الاستعانة به. فكم من معجم يفسر الماء بعد الجهد بالماء. و كيف للقارئ و الكاتب أن يفهم من المعجم الفرق بين حدَّث بمعنى كلَّم و حدَّث بمعنى جدد. و رغم أن القاموس المحيط، على سبيل المثال، يعرف ذلك تعريفاً جيداً، إلا أنه لا يصل إلى ذلك الشرح إلا بعد جهد جهيد بدءاً باشتقاقات الكلمة على النحو التالي: “حدَّثَ يحدِّث ، تحديثًا ، فهو محدِّث ، والمفعول محدَّث (للمتعدِّي)”. ثم بتفسير الشئ بالشئ نفسه كما ذكرنا سابقاً، في الجملة الثانية: “حدَّث الشَّخصُ روَى حديثَ الرَّسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”. و كأننا نفقه معنى حدَّث أصلاً! أخيراً شرح التعريف الأول لحدَّث مستخدماً إحدى مشتقاتها ،ليست الكلمة التي بحث عنها قارئنا: “حدَّثه الشَّخصُ/ حدَّثه الشَّخصُ بكذا/ حدَّثه الشَّخصُ عن كذا: أخبره وتكلَّم إليه”. و يا لحسرة قارئنا إن كان يبحث عن معنى حدَّث بمعنى جدد. فلن يجد ذلك إلا عقب جملتين تعريفيتين طويلتين من بعد الجمل التي ذكرناها سابقاً: “حدَّث الشَّيءَ: جعله حديثًا، جدَّده، بعث فيه الحداثة والتطوير”. و هنا لم نقدم سوى مثالاً بسيطاً لنوضح تأخر معاجمنا و تعقيداته، فتخيل معنا إن استخدمنا المعجم لتفسير بضع كلمات الشعر الجاهلي حيث للكلمة الواحدة عدة معاني تستخلص من حركة الحروف و موقعها في بحر الشعر. و إن كان المعجم العربي معقداً و جامداً فحال القاموس الموسوعي للمفردات أتعس. و نحن هنا نتحدث عن كتابات مدونة ورقياً. فإن نظرنا لما يوجد إلكترونياً لمساعدة قرائنا و كتابنا لتحسرنا لحالنا. فالموضوع يتحول من سيئ إلى أسوأ. و بينما معاجم لغات الدول المتقدمة في تطور سريع و وسائل الكتابة الالكترونية في تحسن مطرد لمعاجمهم و قواميس مفرداتهم و تصحيح جملهم نحوياً و إملائياً، يكاد هذا التطور الالكتروني يستثني لغتنا العريقة؛ إلا ما تكرمت به علينا مؤسسات تلك الدول المتقدمة. فقاموس ميريام وبستر الإنجليزي على سبيل المثال، أضاف 600 و 500 كلمة جديدة لمعجمه لشهري أيار وأيلول لعام 2019 و سنوياً يضيف ما يقارب الألف كلمة؛ فهل نرى ما يوازي ذاك التحديث في معاجمنا؟
وهنا يذهب البعض لنعي لغتنا العريقة. فهي متحجرة و ميتة و حان وقت تشييع جثمانها كما يزعمون. و يدعون إلى إما اللجوء إلى العامية بدلاً من الفصحى أو استعمال الحروف اللاتينية عوضاً عن العربية، كما فعلت تركيا تحت قيادة كمال أتاتورك. و نحن نعارض هذين الاقتراحين معارضة قاطعة. أولاً، يجب التذكير بأن اللغة العربية الفصحى ليست لغة عريقة فحسب و لكنها أيضاً لغة منفتحة و موحدة. بينما العامية لهجة بسيطة و منغلقة و مستقطبة لكل قطر عربي، إن لم تكن لكل مقاطعة عربية، على حدة.و قد يعلل البعض اقتناص العامية كلغة كتابة لنموها و استيعابها المطرد لكلمات أجنبية وتماشيها مع متطلبات العصر. ولكن هل هذا تحديث حقيقي أم تقليد أعمى وجب كتعويض لركود الفصحى ؟ فنحن لا نختلف مع هؤلاء في وجوب أي لغة معاصرة لإدماج كلمات أجنبية لتطويرها و مواكبتها عصرها. فهل لنا باستراتيجية أرفع من اقتباس ما تتوصل إليه الحضارات والدول العظمى في ذروتها؟ فألا تعود جذور مصطلح الاستراتيجية نفسها إلى الكلمة اليونانية “ستراتوس” بمعنى “جيش”، و”آجين” بمعنى “قيادة”، أي أنّ معنى الاستراتيجية هو قيادة الجيش؟ وألم يستنسخ الخوارزمي ابن أبي أصيبعة في كتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” القَسم الطبي الإغريقي بكامله عام 1242. وألم تقتبس الثقافات النامية من الحضارة العربية حين كانت في ذروتها علم الجبر و تسميته. فألا يعود تسمية “ألجبرا” في الإنجليزية إلى “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة” لعالم الرياضيات، في ذروة التطور العربي الإسلامي، محمد بن موسى الخوارزمي؟ فنحن لا نحبذ فحسب، ولكن نطالب باقتباس ما تتوصل إليه حضارات الأمم على غرارها من كلمات جديدة. و لكن على هذا الاقتباس أن يتم بدراسة موسعة لتتماشى الكلمات مع تركيب لغتنا و تعريبها كما فعلنا مع كلمة استراتيجية وكما اقتبست الانجليزية كلمة الجبر و حولتها انجليزياً بكلمة “ألجبرا”. و أليس أمامنا هنا أوضح دليل لتحجر أي معجم عربي معاصر يعود للأصل الثلاثي أو الرباعي. أما إذا سرنا في ركاب من يناشدون تبني العامية ، فيرتبط مصير لغتنا العريقة بمصير تأخر دولنا المؤلم؛ فبينما الدول العظمى تتسع و تستوعب لكنات وافديها، تتفرق دولنا و تنغلق على لسانها. و يجب التذكير أن لضعف إي لغة علاقة طردية في وضع بلاد ناطقيها. فاللاتينية و الإغريقية ازدهرت في ذروة الحضارة الرومانية و الإغريقية على التوالي و تدهورت بفنائهما. و الإنجليزية انتشرت بداية مع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتنامت في ظل أمريكا الصاعدة. لذلك تبقى الفصحى فقط و دون منافس شاملة اللسان العربي من المحيط إلى الخليج و مستقطبة لكل أجنبي يريد تعلم هذه اللغة العريقة. ثانياً، نقول لكل من يريد أن يستبدل الحروف العربية باللاتينية، لماذا؟ فهل للأحرف العربية نقص إن قارناها بالأحرف اللاتينية؟ أم هل هي أقل جمالاً؟ أم هل يكمن الهدف الباطني في رغبتنا بالتشبه بدول اليوم المتقدمة تلمساً لنجاحٍ قد يصيبنا من هذا التقليد الأعمى؟ ونسير للغتنا كما لسياستنا، نتلمس تقدماً دون جهد أو كفاح! و كأن هكذا خرجت أوروبا من عصورها الوسطى بتقليدٍ أعمى للحضارة العربية الإسلامية؟
ولكننا نؤيد أولئك و هؤلاء و نزيدهم قلقاً لتأخر لغتنا و انعزالها. وكما ذكرنا سابقاً، نحن نؤكد بأنه لتحجر اللغة و تعصبها أرتباطاً مباشراً لتدني عدد و نوع كتابها و بالتالي قرائها. ونستطيع الإعلان بكل وضوح بأننا شعب لا يكتب ولا يقرأ. وبذلك نلعب دوراً جوهرياً، عن وعي أو دون، في عزل لغة الإعجاز. ولكن أيجوز أن ننهي مقالنا بالتذمر؟ كلا، و لكننا لم نرد الإطالة على قرائنا. فهدفنا لم يكن يوماً إظهار عيوبنا للتنفيس عن خذلاننا، فذاك حال الضعيف منا. ولكن غايتنا من مقالنا هذا هو تقديم موجز لمشاكل و حال لغتنا. لذلك سوف نكرس مقالنا الثاني لتحليل حالنا و تقديم آراء دراماتيكية لمعالجة تدهور لغتنا و تحجر كتابنا و تدني قرائنا. فغاية مقالنا التالي اشتقت من محبتنا و تقديرنا للغتنا وودنا لتصحيح مسار تطورها. فلن تقر عيون الأصيل منا ولغة الإعجاز في تدني ولكأنها مرآة تذكر الشريف منا بقصور بلادنا.