التاريخ يديره القوي و يكتبه المنتصر. تلك سنة الحياة. فعندما أرى اليوم أوكرانيا تحترق و قتلاها وجرحاها شتى و بؤس حال شعبها في تزايد، لا أستطيع سوى تذكر حادثة انطبعة في ذهني منذ الصغر. فعندما كنت في الصف السادس، ناولني مدرس الرياضيات، المشهور بين الطلبة بالانحياز ، ورقة امتحاني وعليها نتيجتي التي أحرزتها. تعجبت من علامتي حيث أنها لم تكن كما توقعت. و كما فعل العديد من رفاقي في تلك الأعوام، انحنيت تجاه جاري لأقارن أجوبتي بأجوبة زميلي و منقذي. فوجدت إحدى الأجوبة متماثلة تمامًا بخلاف أن زميلي أحرز العلامة الكاملة لتلك المسألة بينما وهبني مدرسي المنصف علامة الصفر للسؤال ذاته. فكل طفل عربي وجد نفسه في ذلك الزمن و ذلك الموقف مع مدرس مماثل، يعلم يقينًا المعضلة التي تواجهه. فهو أمام عدة خيارات مصيرية تتراوح بين المستحيل و الخيالي والواقعي. فالمستحيل هو ذهاب ذلك الطالب لمدرس معروف بعدم إنصافه مع ورقة امتحانه و ورقة امتحان زميله. فمن تجربتي الخاصة و تجارب رفاقي وقتها من المهد إلى الصف الخامس النتيجة متماثلة. إما أن ينظر إلينا الأستاذ الغير منصف ثم ينظر إلى ورقتي امتحاننا ليقدم لنا الإثنين محاضرة تفصيلية للخلاف بين جواب زميلي و جوابي من ناحية الخط أو الترتيب أو غير ذلك ليبرهن إنصافه في المراجعة دون تغيير العلامة. و الاحتمال الثاني، و الذي يكون أرجح عادةً، ينظر إلينا سويًا بغضب كوننا شككنا بقدراته الإلهية و يقرر أن اجابة زميلي خاطئة أيضًا و بسيفه الأحمر يغير علامة زميلي لتلك المسألة إلى الصفر أيضًا. و يجوز أن يقرر وقتها عودة مراجعة امتحاني بأكمله للتنقيب عن بعض الأخطاء الخفية التي لم يتفطن لها ليخصم عدة علامات أخرى . مرجعنا أنا و زميلي معاً إلى مقعدينا. حيث زيادة خيبتي و ندمي تملأ وجداني و حيث نظرات زميلي الغاضبة تجحرني و تنظر إلى جارها مسائلة نفسها عن احتمالات نجاحها إن رجعت إلى المدرس ذاته مع زميل آخر لمناقشة المسألة ذاتها. ولا احتمال ثالث مع مدرس غير منصف. أما الخيار الخيالي، هو ذهاب الطالب بنفسه إلى المدرس الغير منصف محاولًا إقناعه بمراجعة النتيجة. متوسلاً منه النظر في المسألة و مراجعة عمله مع القليل من الشفقة والإحسان لتلميذه المسكين. هنا قد يغير ذلك المدرس النتيجة حسب مزاجه ذلك اليوم و نظرته لذلك الطالب أو تقديره لسيرته. فإن كان يظن ذلك الطالب شقيًا انعدمت نسبة نجاح التوسل. ولكن عواقب ذلك التوسل ليست جذرية عادةً، فأسوأ ما يمكن أن يحدث هو توبيخ الطالب و رجوعه إلى مقعده كما كان. فإن كان ذلك الطالب على يقين بأن لا محبة له عند ذاك المدرس، أصبح هذا الخيار مستحيلاً.أما الخيار الواقعي والأخير لطالب مثل ذاك،هو تقبل المصير و الرجوع إلى المنزل خائبًا و مخبرًا الأهل بالنتيجة و الحادثة حيث تنهال نصائح الأهل بين الشفقة و التوبيخ حول ما يمكن فعله لتجنب النتيجة ذاتها في المستقبل.
ونحن اليوم نرى أساتذة منحازين و غير منصفين في عالمنا الحديث. نرى عالمًا يقول لكل طفل عربي أنه طفل شقي و ذو سيرة سيئة و لا يُنصف. نرى عالمًا يقول لأطفالنا، هذا واقعكم وهذا شقاؤئكم.
ونحن اليوم نرى أساتذة منحازين و غير منصفين في عالمنا الحديث. نرى عالمًا يؤكد لكل طفل عربي أنه طفل شقي و ذو سيرة سيئة و لا يُنصف. نرى عالمًا يقول لأطفالنا، هذا واقعكم وهذا شقاؤكم. فبخلاف أسباب تدفق الجيش الروسي إلى أوكرانيا و ذم الكثير و تبرير العديد دعنا نقارن تبعات هذا الهجوم عالميًا و بعض ما شهده و يشهده وطننا العربي حديثًا لأحداث مماثلة:
في 2 أغسطس 1990 وجه الرئيس صدام حسين الجيش العراقي لاجتياح الكويت، الدولة المجاورة لحدود بلاده بسبب عدة خلافات بين الدوليتين رآها حسين بمثابة عدوان على سيادة العراق. يمكن استخلاصها بمصير القروض التي قُدِمت للعراق لمناصرته في الحرب مع ايران و الأساليب التي استخدمتها الكويت في استخراج النفط من حقل الرميلة المشترك بين الدولتين و معدل النفط الكويتي المستخرج يوميًا فوق النسبة المحددة من أوبك، و تبعات ذلك على اقتصاد العراق. كما في 20 مارس 2003 وجه الرئيس جورج بوش الابن الجيش الأمريكي والبريطاني لاجتياح العراق، الدولة الغير مجاورة لحدود بلاده، للإيقاع بحكم الرئيس صدام حسين و نظام البعث العراقي و التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي اعتبرها بوش الابن خطرًا على بلاده حسب زعمه، و تبعات ذلك على أمن و اقتصاد بلاده. والآن في 24 فبراير 2022، وجه الرئيس فلادمير بوتن الجيش الروسي لاجتياح أوكرانيا، الدولة المجاورة لحدود بلاده، لمناصرة الأقليات الروسية في مناطق الدونباس و منع تسليح أوكرانيا بصواريخ الناتو حسب تصريحاته، و تبعات ذلك على أمن و سيادة بلاده. فدعنا أولاً نلخص تلك الأحداث ثم نقارن عواقبها بالتسلسل:
خلفية الأحداث:
1- في 2 أغسطس 1990 تحرك الجيش العراقي جنوبًا ملبياً أوامر الرئيس حسين لاجتياح الكويت. و خلال بضع ساعات، سيطر الجيش العراقي على الأراضي الكويتية بأكملها. و بعد 4 أيام فقط، في 6 أغسطس 1990 فرض مجلس الأمن مقاطعة كاملة للتداول مع العراق. و خلال 3 أيام فقط، بدأ تدفق الجيش الأمريكي و عملية الدفاع عن السعودية المسماة بدرع الصحراء يوم 9 أغسطس 1990. وقتها وصلت أعداد الجيش العراقي في الكويت قرابة 300,000 جندي. وفي 29 نوفمبر 1990 أقر مجلس الأمن استخدام القوة ضد العراق إن لم تنسحب قواته من الكويت قبل 15 يناير 1991. في ذلك الوقت وصل عدد قوات التحالف، والتي كانت مكونة من غالبية أمريكية، قرابة 700,000 جندي متمركزين في المنطقة لإجبار النظام العراقي على الخروج من الكويت. وكون نظام حسين رفض الانسحاب، بدأ القصف الجوي على بغداد و ضواحيها معلنًا بدء الحرب على العراق بما سمي بعملية عاصفة الصحراء. و خلال الستة اسابيع الاولى من العدوان قام طيران سلاح التحالف بأكثر من 116,000 غارة وإسقاط ما يزيد عن 88,500 طن من القنابل. و للمقارنة، أسقط على ألمانيا النازية قرابة 1,415,745 طن من القنابل بين عامي 1939 و 1945 والذي يعادل 3,889 طن من المتفجرات أسبوعيا. بينما معدل القنابل الأسبوعي الذي سقط على العراق في تلك الحرب يقارب 14,750 طن! و لذلك عندما بدأ هجوم التحالف الأرضي يوم 24 فبراير 1991 لم تُوجد أي مقاومة تذكر حيث تحررت الكويت من الجنود العراقيين و سقط العراق خلال المائة الساعة الأولى من بدء الاجتياح الأرضي. وفي يوم 28 فبراير 1991 أعلن بوش فترة وقف إطلاق النار. و في 3 ابريل 1991 أقر مجلس الأمن قرار رقم 687 الذي أُعلن من خلاله انتهاء الصراع و رفع بعض العقوبات عن العراق مع إبقاء العقوبات الأساسية المتمثلة في بيع النفط العراقي مادام العراق يملك أسلحة الدمار الشامل. و في 6 ابريل 1991 تقبل العراق هذا القرار و وُثِق في 11 أبريل 1991. وكانت نتيجة انتهاء الحرب مقتل قرابة 420 كويتي و 248 من جنود التحالف، بينما قَتل التحالف قرابة 25,000 جندي عراقي و 75,000 مدني عراقي فيما يعتبر أكثر حرب غير متكافئة في تاريخ اللا إنسانية.
2- و للمقارنة، في 17 مارس 2003 أعلن الرئيس جورج بوش الابن مقاطعة الوساطة الدبلوماسية مع العراق. حيث زعم بوش أن العراق لم يدمر أسلحته كما تطلب بيان رقم 1441 الصادر عن مجلس الأمن؛ زُعمٌ أُثبِت عدم مصداقيته مع تطور الأحداث و مرور الزمن. وهكذا وجد بوش مدخلاً مناسباً لسياسته للمنطقة. كما وجد مخرجاً من الدبلوماسية عندما وجه إنذار للرئيس صدام حسين لمغادرة الأراضي العراقية خلال 48 ساعة وإلا واجه عدواناً أمريكياً و بريطانياً تحت تفسيره لبيان 687 يتلاءم مع سياسة بلاده. ذلك دون بيان فعلي أو مقبول من مجلس الأمن يجيز العدوان و اعتراض غالبية دول المجلس بينهم حكومة فرنسا و ألمانيا و روسيا. و عندما لم يغادر الرئيس حسين الأراضي العراقية، بدأت الولايات المتحدة و بريطانيا قصف العراق مجددًا و الهجوم على أراضيه يوم 20 مارس 2003. وفي 25 مارس 2003، توقف الزحف الأرضي بسبب عدة عوامل بينها حالة الجو و المقاومة العراقية و خطوط الإمداد. وقتها، قُصفت الأراضي العراقية قصفاً مبرحاً و استكمل الزحف الأمريكي البريطاني على العراق حتى سقطت بغداد و البصرة يوم 9 أبريل 2003. و سقطت بعدهما الموصل يوم 11 أبريل 2003. انتهاءً بسقوط تكريت، مركز ثقل المقاومة العراقية لارتباطها بمهد الرئيس صدام حسين، يوم 13 أبريل 2003. و قدرت ضحايا هذه الحرب بقرابة 150 جندي أمريكي و بريطاني و 40،000 عراقي حسب أدنى التقديرات و ما يزيد عن 650،000 عراقي حسب أعلى التقديرات. علاوة عن المليون ضحية خلال سنوات الحصار ما بعد الحرب. و رغم المظاهرات التي شهدتها أمريكا ضد الحرب مع العراق إلا أن الرأي العام الأمريكي آنذاك كان مع الاجتياح الأمريكي لإيمانه بصلة النظام العراقي مع نظام القاعدة الإرهابي و ملكية العراق لأسلحة الدمار الشامل. قضيتان أيضاً أُثبت عدم مصداقيتهما.
3- و في 21 فبراير 2014 بعد تظاهرات الشعب الأوكراني ضد حكومة فيكتور يانوكوفيتش الودودة مع النظام الروسي سقط ذلك النظام و استبدل بحكومة مؤقتة و موالية غربياً. و سرعان ما وقعت تلك الحكومة المؤقتة اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي فيما فسر كخطوة أولى لانضمامها لدول الاتحاد الأوروبي. كرد فعل، في يوم 23 فبراير 2014 اشتعلت مظاهرات في مناطق القرم في أوكرانيا موالية للنظام الروسي. وسرعان ما سيطرت على المنطقة حكومة موالية لروسيا و أعلنت استقلالية منطقة القرم عن أوكرانيا. عندها ضمت روسيا منطقة القرم إليها يوم 18 مارس 2014. و في يوم 24 مارس 2014 بعد مساندة الجيش الروسي حكومة منطقة القرم و انشقاق قرابة 50٪ من الجنود الأوكرانيين وانضمامهم إلى صفوف الجيش الروسي، انسحب الجيش الأوكراني من المنطقة. كما شهدت منطقة الدونباس، المقطونة بغالبية سكانية من أصول روسية، مواجهات مماثلة ضد الجيش الأوكراني لعدم موافقتهم على توجه أوكرانيا غرباً. وقتها أقرت الأمم المتحدة في اجتماعها يوم 27 مارس 2014 بيان 68/262 وهو قرار غير ملزم يعترف بحدود أوكرانيا المعترفة دولياً من بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي و قبل انفصال منطقة القرم و الدونباس في مارس 2014. تلى ذلك عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين عامي 2014 و 2015 بين أوكرانيا و روسيا و فرنسا و ألمانيا فيما عرف ببروتوكولات مينسك. وفي 20 مايو 2019 انتخب فولوديمير زيلينسكي على مبدأ إعادة منطقة الدونباس إلى أوكرانيا. وبدأ الحديث يزداد حول انضمام أوكرانيا لدول الإتحاد الأوروبي و حلف الناتو. ذلك رغم التعهدات الامريكية للاتحاد السوفيتي سابقاً مقابل انسحاب موسكو من ألمانيا الشرقية و تقبلها وحدة ألمانيا و التحاقها بالناتو على أن الزحف الغربي لن يتجاوز حدود ألمانيا الشرقية. و رغم إنذارات موسكو المتواصلة منذ عام 2014 بشأن انضمام أوكرانيا لكلتا المنظمتين واعتبار أي خطوة في ذلك المجال خطاً أحمرَ لا يمكن تجاوزه أو الرضوخ له. وكما هدد الرئيس جورج بوش الإبن باجتياح العراق خلال 48 ساعة إن لم يخرج الرئيس صدام حسين من العراق، هدد الرئيس فلاديمير بوتين بعواقب فتاكة إن لم تعلن أوكرانيا استحالة انضمامها إلى حلف الناتو. و كما اجتاح الرئيس بوش الابن دون بيان من مجلس الأمن العراق ، حرك الرئيس بوتين الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية يوم 24 فبراير 2022 متخلياً لحظتها عن أي حل دبلوماسي. و سرعان ما طالب مجلس الأمن باجتماع طارئ بخصوص الاجتياح الروسي، و عقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 مارس 2022 صوتت به أغلبية الدول بمطالبة روسيا بوقف العدوان و الخروج من أوكرانيا فوراً دون توثيق بيان ملزم.
عواقب الاجتياح:
فبعدما قدمنا ملخصاً لثلاثة أحداث معاصرة، دعنا نقارن تلك الأحداث من حيث التشابه و العواقب المتباينة. فإن نظرنا إلى غزو الرئيس صدام حسين والرئيس فلاديمير بوتين لجاريهما، نجد أن الاثنين قاما بغزو الكويت و أوكرانيا بحجة أن سياسة الجار الداخلية تؤثر سلباً على سياسة دولتيهما إما من الناحية الاقتصادية أو الأمنية أو كليهما. و نجد أيضاً أن كلتا الدولتين المعتديتين اعتبرت الدولة المجاورة دولة تابعة تاريخاً لأراضيها و سيادتها. و يبدو أن ذلك لعِبَ دوراً نفسياً و عقائدياً متمثلاً بتأيدٍ شعبيٍ مهمٍ في دوافع قرار اجتياح الدولتين المجاورتين. ورغم حق كل دولة باتخاذ قراراتها الفردية التي تفيدها و تخدم مصلحة شعبها، إلا أن حرية اليد تقف عند أنف الآخر. فالخلاف عادة بين جارين متنازعين يكمن في تعليل الأول لحرية قراره والثاني لحرية ردة فعله. أما إن نظرنا إلى غزو الرئيس جورج بوش الابن للعراق لوجدنا غزو دولة عظمى لدولة غير مجاورة و دون أي روابط تاريخية بينهما. وتعليل الغزو يكمن في إيمان المعتدي بخطر سياسة الُمعتدى عليه لأمنه و مصالحه و سياسته. فالفئة الأولى مكونة من حسين وبوتين وغزوهما لجاريهما و الثانية مكونة من بوش الابن و غزوه لغير الجار. و كلتا الفئتين تعلل الغزو لمصالح داخلية سياسية اقتصادية و أمنية. والخلاف الجوهري بين الفئتين هو جوار الأول للبلد المُعتدى عليه و إيمانه بارتباطهما تاريخياً و اقتصادياً و مصيرياً، و بُعد الفئة الثانية عن الدولة الُمعتدى عليها و إيمانها بضرورة الغزو لحماية هيمنتها القطرية الاستعمارية. و لذلك يبدو بديهياً أن عواقب غزو الفئة الثانية، الغازية لغير الجار لحماية مصالحها الاستعمارية تكون أعظم. ولكن عجباً لدَّوي صمت هيئة الأمم المتحدة و التحرك العالمي ضد الاجتياح الأمريكي البريطاني. وقد يبدو بديهياً أيضاً أن عواقب الفئة الأولى متشابه كون العدوان متشابه و التعليل متشابه و الجوار متشابه و التاريخ متشابه وحتى وصف فساد و جنون الرئيسين الغازيين متشابه. و قد يبدو أيضاً أول الأمر أن عقاب كلتا الدولتين متطابق. فسرعان ما انتقد مجلس الأمن العدوان العراقي ببيان صريح و ملزم، خلال أربعة أيام فقط. و سرعان ما انتقدت هيئة الأمم المتحدة العدوان الروسي خلال بضعة أيام أيضاً و لكن دون بيان ملزم. و سرعان ما عُزِل العراق اقتصادياً و مُنِع التداول معه و شراء نفطه تطبيقاً لبيان مجلس الأمن. وسرعان ما عُزِلت روسيا عالمياً تلبيةً لنداء أمريكا و الغرب. وسرعان ما تدفقت الآليات الحربية لحماية جوار الدولة المعتدى عليها. وهنا نهاية ما قد يبدو متشابهاً. فبينما العديد يندد بالغزو الروسي و يطالب بؤساً حظر الطيران فوق أوكرانيا، رأينا سرعة التأهب العالمي لفرض الحظر الجوي على العراق خلال فترة زمنية مماثلة. و بينما أحذية الجيش الروسي داست الأراضي الأوكرانية من اليوم الأول للاجتياح، انهالت القنابل الفتاكة على الأراضي العراقية لستة أسابيع قبل أن تدوس أية أقدام تحالف أرض العراق. لذلك رغم جريمة قتل المدنين في أي حرب كانت، نرى يومياً مئات القتلى المدنيين الأوكرانين بينما رأينا آلاف القتلى المدنيين يومياً في العراق. و للتذكير، بقي الصمت قاتلاً وقتها لعدوان الفئة الثانية الأمريكية البريطانية. ورغم أننا مازلنا في بدء العدوان الروسي و لا نملك ملكة رؤية المستقبل إلا أننا ندرك دون شك الرد العالمي على العراق و ابنائه. فسرعان ما فرض الحظر الجوي على العراق وسرعان ما انهالت القنابل الفتاكة و سرعان ما طولب بتفتيت البلد الواحد طائفياُ و عرقياً. ومازال الصمت يدوي للعدوان الأمريكي البريطاني.
فكيف نبرر ذلك؟ كيف نرى عدواناً ينتهي بشنقِ رئيس وآخر متشابه ينتهي بإعادة انتخاب رئيسٍ لفترة ثانية؟ كيف نفسر تفاوت الرد لهيئة الأمم و لمجلس الأمن بين الفعل و التوبيخ و الصمت؟ كيف نواجه أنفسنا و قارة بأكملها ترحب بلاجئ أبيضٍ أشقرٍ وتترك طفلاً أسمرَ يموت في البحر؟ و ماذا نقول لضحايا هذا و قتلى هؤلاء؟ نقول، تعلموا من دروس الصف السادس. تعقلوا من معاملة المدرس المنحاز؟ تفقهوا إن القول يقوله الشجاع. و إن الفعل يفعله القوي. و إن الحق يحققه الشديد. ولا تنتظروا من مدرسٍ و هيئةٍ و مجلسٍ منحازٍ عدلاً مستحيلاً. و لا تتملقوا من سادةٍ استعماريةٍ إنصافاً خيالياً. ولا تتقبلوا من عالمٍ مستعبدٍ ذلاً واقعياً. فلن ينجح يوماً طفل منبوذ يبكي و يتوسل في الصف السادس لمدرس غير منصف. ولا ينصف مدرس منحاز طفلاً يراه عفريتاً. فاليوم نرى أساتذة غير منصفين لشعبنا المستعبد. نرى اساتذة ترى الضعف فينا و ترى مصالحهم في أراضينا. نرى الصمت يدوي لنهب بلادنا ودمار ترابنا و سفك دماء أولادنا من مغربنا لمشرقنا لشمالنا و لجنوبنا. فرغم أننا نحزن لتشرد و مقتل المدنيين الأوكرانيين و عدم الإنصاف بين المعتدي و المعتدى عليه إلا أن علينا أن نحزن و نفطن لوضعنا. فنحن لأساتذتنا أولاد عفاريت تتوسل و ترجوا شفقتهم و انصافهم. و ليس بدليل أوضح مما نراه من ردود فعل العالم بأسره لاجتياح أوكرانيا و الصمت القاتل لنهب فلسطين و تدمير العراق و تفتيت وطننا العربي. فلا إنصاف لضعيف. فدعوا التملق و التوسل و البكاء، فلا إيمان بالمستحيل و لا الخيالي و لا الواقعي. فدون القوة لا سلام ولا رخاء ولا أمان. لعلكم تتفقهوا يا أولاد العفاريت.